الثورة – هفاف ميهوب:
لو سألنا أيّ إنسان، عن مفهومه لمعنى الوعي، لأجاب بأنه ما يحمله الفرد من أفكارٍ ومعارف ومفاهيم سامية، تتعلّق بالحياة والبيئة، وتميّزه عن كلّ الكائنات التي لا تفكّر ولا تستخدم عقلها ولالغتها، في التدابير والأحكام.
هذا إذا سألنا الإنسان العادي.. لكن، إن أردنا سؤال رجال العلم والفكرِ والحكمة، ما علينا إلا العودة إلى تاريخ الفلسفة، حيث انشغال الفلاسفة القدماء، بفهم ماهية الإنسان، ودرجات وعيه ومعرفته، سواء بذاته، أو حتى بالعالم الذي يحيط به، ويميّزه بأنسنته..
نعود إلى بداية تاريخ الفلسفة، فنجد بأن الفيلسوف اليوناني “أفلاطون” كان يرى، بأن مايحدّد الوعي ليس الواقع أو الحواس، وإنما عالم المُثل الذي لا يمنحنا وعياً زائفاً لطالما: “ما يقدمه لنا وعينا، ما هو إلا ظلال تختبئ خلفها حقيقتنا كموجودات”.
أيضاً، وعن مفهوم “أرسطو” للوعي، نراه يجده يعتمد على أسسٍ منطقية ومعرفية، فالإنسان برأيه: “حيوان ناطق”.. كائنٌ يعي ذاته وقيمة وجوده، ويُدرك بأن عقله هو ما يميّزه عن بقية الكائنات.
لم يشر “سقراط” إلى ذلك، بل إلى كونه لايعرف إلا بأنه لايعرف شيئاً، وهو ما أراد منه القول، بأن لا وعي لدى الإنسان، إن لم يعرف ذاته، وقد أكّد على ذلك بمطالبته : “اعرف نفسك بنفسك”.. هذا عن آراء بعض الفلاسفة القدماء، أما عن آراء فلاسفة الحقبة الحديثة، فنختار رأي الفرنسي “ديكارت”، وليس فقط لأنه يُعتبر – أبو فلاسفة هذه الحقبة -، بل ولأنه أوّل من قدّم تعريفاً واضحاً للوعي الذي اعتبره، من أهم صفات الإنسان كفردٍ له هوية روحية، تميّزه عن الآخرين، وتجعل من الوعي حقيقة جسّدها بقوله: “أنا أفكّر إذاً أنا موجود”.
لقد رأى بأن وعي الإنسان بذاته، من أكثر الأشياء وضوحاً، والشيء الوحيد الذي لايطاله الشكّ، فكلّ ذاتٍ تملك يقين وجودها، اعتماداً على منهجية التفكير، لا على أحكام الغير..
يعارض الفيلسوف الانكليزي “جون لوك” فرضية “ديكارت” هذه، معتبراً أن الهوية الذاتية هي الوعي، وبأن وجودها لا يعتمد على الجسد أو الروح.
إنه يرى بأن الوعي يصاحب الفكر، ويجعل الذات تختلف وتتميّز عن كلّ الأشياء الأخرى.. يرى أيضاً، بأن هذا الفكر كفيلٌ بأن يجعل الوعي يجمع، وعبر جميع المراحل التاريخية: “أنماط وجود وأفعال، بعيدة في الزمن داخل شخص واحد..”..
بيدَ أن للفيلسوف الإنجليزي “بتراند راسل” رأياً يختلف عمنّ قبله، فهو يجد أن مفهوم الوعي شائك، ومن الصعب فهمه، وبأن الإنسان لايربط وعيه بالعالم الخارجي، إلا عبر التجربة والإدراك الحسي، ولايعي ذاته، أو يكوّن صورة عن أفكاره، إلا في حالِ اليقظة.
هذا رأيه، وفرضيّته: “أنا لا أقول ليس ثمّة روح بالإنسان، لأنه غير واعٍ بها أثناء نومه، بل أقول بأنه لا يستطيع التفكير في أيّ وقتٍ، دون أن يكون واعياً بها، مستيقظاً كان أو نائماً.
إن كوننا واعين بها ليس ضرورياً لأيّ شيء سوى لأفكارنا، وبالنسبة لها فهذا ضروري وسيظل دائماً هكذا”..