الثورة _ هفاف ميهوب:
مُذ أهدى الشاعر الفلسطيني “رضوان قاسم” ديوانه “فاءٌ أنا” لوطنه الذي أغرقه العدوّ بالدمِاء، حلّقت قصائده في سماءِ هذا الوطن، لتلقي السلام على كلّ بقعة فيه، ومن ثمّ انحنت لتلثم ترابه المقدّس، وترتّل الصلاة على أرواح الشهداء:
وطني أحبُّكَ/ لا تلُمْني/ إن طالَ نزفي، والجِراحْ/ هذي جِراحُكَ في فمي/ قلمٌ تُشرِّده الرِّياحْ/ هذي دماؤُكَ، لا دمي/ في كلِّ شبرٍ من ثرى دمكَ المُباحْ/!!.
هذا مارتّله “قاسم” منذ بداية رحيله وغربته، وحنينه الذي تحوّل إلى قصائدٍ، تصفعُ العدوّ وتواجه إجرامه ودمويّته..
تتوالى تراتيل قصائده، ويزداد اشتعالها شوقاً لوطنه فلسطين، مثلما غضباً على عدوّها الذي أبكى الأرض دماً، كلّ قطرةٍ سالت منه، أنجبت أجيالاً من الفدائيين..
تتوالى تراتيله وتعلو أناشيدها: “عيدٌ بعيد”.. تعلو أكثر كلّما نزف قلب الوطن، وارتقى فيه شهيد:
في العيدِ شوقٌ في الوريدْ/ لجدارِ منزلنا المهدَّمْ/ لتُرابِ أمّي في المُخيّم/ أمَّاهُ ياأمَّاهُ/ ابنكِ مرَّتينِ لقد تيَّتمْ/ يتلوكِ فاتحةَ الكتابِ من البعيدْ/.
إنه شوق الشاعر لبلاده وأرضه ومنزله، بل وللأعياد التي استدعاها بالقصيدة التي هي وطنه.. فلسطين التي يشعر بالخشوع لمجرّد النطق بفائها، والتي تجعله يتلعثم فيعتذر، إن فكّر بأن يذكر، ولو في قصيدته اسمها:
عذراً بلادي يا فلسطينُ الَّتي/ قبلَ الولادةِ حُبّها أتنسَّمُ/ عُذراً فباسمكِ لن أقولَ قصيدتي/ إن قلتُ فاءً بعدها أتلعثَم..
هذا ما ينتاب شاعر، لم تعد تعنيه الأعياد كلّها، لأنه ينتظر العيد الذي تزغرد فيه القصيدة، احتفاءً بالنصرِ على العدوّ الإسرائيلي.. تزغرد وهي تُلقي ورد مفرداتها، على ترابِ أرضٍ تعطّرت بالدم الفلسطيني.
هكذا هو العيد لدى “قاسم” لكنه لدى الشاعرة والكاتبة “سماح المزين” أشبه بوردةِ عاشقة، تهمس بالحبّ صمتاً، وبإضمامةِ قبلة الأمّ، وأيضاً:
العيدُ يشبهُ أن تجيء رسالةٌ/ تحنو على وجعٍ يذيبُكَ يحرقُك!/ والعيدُ يشبهُ عين طفلكَ باسماً/ من بعدِ خوفٍ لا يزالُ يؤرّقُك..
العيدُ يشبهُ أن تعيشَ بهامشٍ/ الاسمُ “غزة”/ والملامحُ تُرهِقُك
ما أوجع القصيدة في غربتها، وما أشدّ حزنها على وطنٍ، تشهد فيه أعياد الموت والدم تتوالى، وتحتفي بشهداءٍ تكللهم بالورد والزغاريد. شهداء وطنٍ سربلته “المزين” بدفءِ كلماتٍ، أحالته إلى “وطن تدفأ بالقصيد”..
هكذا رأت “المزين” وطنها الذي أسكنته فيها، وغمرته بالحب، ساعية ما أمكنها لكفكفة وجعه، ولحملِ ما يحمله من نزفٍ وموتٍ وحزنٍ ويُتمٍ وفقد.. الوطن الذي رأت أعياده مختلفة عن الأعياد كلها، ولا سيما مسقط قلبها “غزة” التي شبّهت أعيادها:
والعيدُ يشبهُ أن تموتَ بطلقةٍ/ في “غزة العظمى” /وحُلمُكَ يسحقُك/ العيدُ يشبهُ جنّةً، فردوسها/ يتنفسُ الشهداءَ/ إذ يأتي إليكَ ويشهَقُك/ والعيد يشبهُ أن يشير إليكَ/
كلُّ الكونِ معتذراً/ وإن عزّت قرابينُ الفداءِ سينفِقُك!/..
هكذا هو العيد لدى شعراء مقاومين، رافقتهم فلسطين إلى غربتهم. رافقت حياتهم وأفراحهم وأعيادهم، فكانت قصائدهم صرخات غضبٍ، تَرجُم المحتل وتواجه حقده بمفرداتها.. المفردات التي ناشدت بها أيضاً، شموس العيد بأن تشرق على ربوعها، كي ترى الفرح ولو ليومٍ واحدٍ في أرضها.
/هيا تعالي/ يا شموس العيد/ للأرضِ التي تأبى الخضوع/ هيا.. وهاتي العيدَ يوماً/ كي يرى فرح الربوع/..