وسط الوضع المعيشي الصعب والتقنين في توصيل التيار الكهربائي ونقص احتياجات التدفئة، تتصاعد دعوات وترتفع أصوات مطالبة الحكومة بإجراءات وحلول سريعة تستجيب لاحتياجات المواطنين.
وتأتي هذه المطالب بعد سنوات من الحاجة والضيق في ظل انتشار وتوسع الإرهاب وتعدد آليات عدوانه وتعاظم الدعم الذي تلقاه من دول البغي والعدوان التي قادت الحرب الظالمة على سورية وشعبها عبر آليات الحصار والعقوبات المترافقة مع التهديد وشن الحرب الإعلامية المستندة لتزوير الوقائع والحقائق والقائمة على أسس واهية وروايات كاذبة وقصص ملفقة يتم تقديمها لجمهور الغرب الأوروبي والجمهور البعيد وفق صيغ مؤثرة وفاعلة.
هذه الصورة دفعت بالمواطن السوري للبحث عن حلول، وهو الأصيل المتمسك بأرضه والشامخ بكرامته والثابت في أرضه والمضحي بالغالي والنفيس، وصاحب الرقم القياسي وغير المسبوق في تقديم الشهداء قرابين سخية على مذبح حرية الوطن وكرامته وأبدى استعداده لاحتمال كل الصعاب صموداً ومواجهة وتمسكاً بالقيم الوطنية ورفضاً للإذلال الاستعماري والخارجي أياً كان مصدره.
لقد كانت سنوات العدوان الأولى تجربة مرة وصعبة لامتحان قدرة الثبات لدى المواطن السوري، وهي كانت اختباراً بالنار والحصار كانت نتيجتها انهزام العدوان بمشروعه السياسي الاستعماري مقابل الصمود الوطني المتأصل، إذ كان الجندي الباسل يقتحم المعارك كما الذهاب في نزهة، وكان الأهل يدفعون بفلذات أكبادهم إلى أتون المعارك استعداداً للنصر مهما كلف الأمر من شهداء وضحايا، إلى أن بدأت مرحلة الضغط الاقتصادي والحصار وحرمان الشعب من احتياجاته الأساسية في الصحة والتربية والتعليم والخدمات الأساسية، فتردى الوضع المعيشي نتيجة نقص الموارد وسرقة مصادر الإنتاج والطاقة وتصاعدت الحملات الإعلامية والحرب النفسية في محاولة مستجدة لإدخال الوهن في نفسية المواطن وهزيمته من الداخل، وهو أمر لم يحصل أبداً رغم أن مواجهته استدعت الكثير من التضحيات والخسائر وزيادة هجرة الشباب والكفاءات والخبرات العلمية.
والنقطة المفصلية في تاريخ العدوان على سورية تدور حول الرغبة في العودة للماضي، فالمستقبل الذي يتخيله ويطالب به معظم السوريين هو العودة للماضي قبل عقد من الزمان، وهنا فقرة التيه والضياع وفقدان البوصلة، فرغم الوضع المعيشي الجيد الذي عشناه قبل عشر سنوات كانت النتيجة تسلل الإرهاب عبر تلك المنظومة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والدخول في مرحلة العدوان والإرهاب وما تبعهما من فقر وحاجة ونقص في الموارد وانخفاض معدل الدخل وانهيار القيمة الشرائية للعملة، وهكذا فإن التقدم والنجاح في ميادين التنمية الاقتصادية والاجتماعية المختلفة كان يخفي في جوانب منه مواطن ضعف وخلل نحتاج البحث فيها ومراجعتها وتفادي تكرار حدوثها كي لا نصل إلى نتيجة وواقع كالذي نعيشه اليوم، ونستفيد من المعطيات التي نعيشها اليوم، ونبحث في أفضل الأساليب لتجاوز أسباب الأزمة المعقدة الجوانب في مختلف جوانبها، فالوضع الذي كان سائداً وسط حالة من الرضا كانت نتيجتها تسلل الإرهاب وبروز مجموعات عميلة ومرتبطة تسرق تمثيل المواطن، فيما المفترض بواقع الأزمة المعاشية الحالية أن تنتج حلولاً محمولة على المقدرات الذاتية للمواطن الذي أظهر قدرة على الثبات عصية على الهزيمة والتراجع مقابل إصرار وقدرة على احتمال أكبر العقبات وتجاوزها، وهو الأمل المرتجى والنقطة الأساس، فما فات مضى بنتائج سلبية، والواقع الصعب ينبغي أن ينتج مستقبلاً أفضل، وهو المأمول حكماً.
هذا التصور يدفع لتبني سياسات قادرة على سد فجوات الاختراق وبناء قاعدة متينة راسخة الجذور تجنبنا الوقوع في أشراك الماضي.
التالي