الثورة _ ديب علي حسن:
هم الشعراء الأكثر قدرة على استشراف القادم من الزمن، ربما كما قال أدونيس ذات يوم في كتابه زمن الشعر: الشعر رؤيا والرؤيا قفز خارج حدود الزمان والمكان .
والشاعرهوالرائي، ليس بعيني زرقاء اليمامة، بل بعين الحدس والعقل والمشاعر ليكون ذلك كله في دفاتر الإبداع ومضات تشي وتتقد وتقول، وعلينا التقاط الومضة التي لا تتلاشى بل تبقى متوهجة في سياق الرؤيا الشعرية والكونية.
والعالم من دون الشاعر كتلة صماء عمياء لا قيمة لها أبداً ..
في الزمن القادم الذي يستشرفه الشعراء دائماً ثمة حزن وثمة ألم..ثمة جراح نحن صنعناها والمبدع هو من يبلسمها ينير دروب القادمات ويرش ندى اللغة بعطر الورد..
في ديوانها النبوءة الذي حمل عنوان : أحبك لكنني ..
تقرأ القادم وفي حرائق الكون الذي لا يعرف الرحمة تقف عند رأس السنة بنص مترع حمل عنوان :
سكاكين القصابين تجز رأس السنة
تقول سلمى حداد :ثمل العالم من شرب الدماء وغفا على كتف الذبيحة
في دنان العتمة المعتق بكهوف النبيذ سكب حكايته القبيحة
وتجشأ ولائم اللحم النيء في عقول السكارى
وحلى أضراسهم بكعكة العيد
من جماجم الأيتام وأحداق الثكالى.
كم خجلى من فضاء الياسمين
زكمنا أنفه بزنخ الشواء في أفران الجاهلية
كم خجلى من تاريخ
نورٌنا جبينه بأول حرف من حروف الأبجدية
ثم أرديناه ظلاما في أقبية الجهل وعتمة الأمية
كم خجلى من مشكاة أضأنا بنورها شموساً وأقماراً
ثم أحرقنا بنارها عقولاً وأفكاراً
ورجعنا نهز اليدين حفاة عراة إلى قاع البشرية
سامحينا يا شاَم
أوسعنا وجهك الجميل ضربا في زمن العبودية
وسلخنا عنك جلدك وانقسمنا عن بعضك
ونطقنا لغة لا تشبهنا ولا تشبهك..
شتمنا ولعنّا وتقاذفنا الألقاب في الزمن الرديء
ونحرنا قواميس البلاغة على أقدام المقابر الجماعية.
والشاعرة التي تقرأ مجد الشام مجد تاريخ الحضارة العربية يؤلمها حد الفجيعة ما كان وما يجري وتكالب العدوان على سورية .
والشام هي كلّ سورية الطبيعية هي دمشق والقدس وبيروت وهي غزة الجريحة الآن :
يا خجلتي منك وممن سمعنا
يا خجلتي منك وممن رانا
نجز بسكاكين القصابين رقاب الضحايا
ونكنس الشوارع ومصابيح الطرقات من مزق قتلانا
ونسوق كقطيع النعاج السبايا
سامحينا يا شام
تركت أحلامي في سلة خبز ناشف على قارعة المدينة
ورحلت ثقيلة اتأتىء الخطوات في نفسي الحزينة
وارتديت عري التوت ريثماأرتق أثوابي
وجلست في برد الغياب أغني العتابا
وأفتش عن رائحتي في قشرة ليمونة
أبرشها على أنف الأمل الغائب عن الوعي.
سامحينا يا شام.
واقع الحياة الضاغط على كلّ شيء يجعل الشاعرة تطرح التساؤل الوجودي الذي طرحه الكثيرون ومنهم إيليا أبو ماضي : في زحمة الموت لست أدري من أكون.
أحن إلى المساء يضرب موعدا مع الحلم الدفيء.
أستأجر الخيال كيما يحمل عن كاهلي خرافة الحقيقة.
وأرقص طويلاً طويلاً كيما يخضر السراب في عيون المدى.
لا أريد أن يناديني أحد بأسمي
أنا الغياب ريثما يعود الزمن الجميل من إجازته الطويلة
وأنا الرحيل ريثما يصحو الطريق من غيبوبة السبيل.
وألم الحياة جرح بلا ضفاف انه اكبر من قدرتنا على الاحتمال ولا ملاذ لنا غير العودة والحنين الى الطفولة..
ياليتنا نعود مثلما كنّا ياليت ..
كوخاً صغيراً دافئاً بحساء عند العشاء ..
لا تطل عليّ الغياب أني تهرّأت من الغياب .
سأترك شبّاكي مفتوحاً لتعود إليّ هذا المساء.
وسأجمع شَعري ضفيرة لتنام هانئة على كتفيك .
حين يُِدلّك زيت الياسمين وجه الوطن الجميل .