الثورة _ رنا بدري سلوم:
لعلّ مقولة درويش “على هذه الأرض ما يستحق الحياة” هي الصورة المصغّرة لما يعيشه الغزّاويّون اليوم بعد ثلاثة أشهر من جراحهم النازفة حدّ الوجع من قتل وحصاد أرواح جماعيّة وتهجير ومرار، ولاسيما اليوم وسط البرد القارس وصعوبة ما يعانونه في الوصول لأبسط حقوق العيش في مراكز الإيواء.
كل تلك المآسي على مرأى العالم وصمته المخزي، فقد جفّ حبر الأقلام من وصف بشاعة قصص الموت والأيام السوداء الطوال التي يعيشها أهالي القطّاع من فقد وتهجير ومرض وجوع وخوف، ومع ذلك هناك ما يستحق الحياة والإصرار على البقاء .
بصيص أمل يلوح في الأفق، ليست عبارات مسكّنة للآلام بقدر ما هي مواقف حياتيّة يعيشها أهالي غزّة وهم أسياد أرضهم ومواقفهم، وإنّ قصة زفاف ياسمين ومحمد في مدرسة بمنطقة رفح جنوب القطّاع خير دليل على أن الفلسطينيين عشّاق الحياة، قلوبهم النابضة تقاوم أعاصير الاحتلال الإسرائيلي الغاشم الذي تقهره ابتسامة طفل مقاوم، فرغم كل الدّمار والقهر المحيط بهما، اكتفى العروسان بلمّة فرح صغيرة، وزغاريد وأهازيج شعبيّة وحلوى بسيطة “لقمة القاضي” وزّعاها على الحضور.
لم يعد لهما من ذويهم إلا بعض الأقارب والجيران، فالحرب التي شنت والإبادات الجماعيّة التي راح ضحيتها الآلاف وذووهم من ضمنهم، هدفها إفناء الشعب الفلسطيني، وهو ما لن تصل إليه آلة القتل الصهيونيّة، فقد أشار العروسان في كلمتهما أمام حاضري الزفاف بأن الحرب وحدتهم وجمعتهم في السرّاء والضراء، ومشاركتهم العرس في مركز الإيواء هي الرّسالة التي يودان إيصالها للعالم، وأن الفلسطينيين صامدون رغم الجراح والخسائر الفادحة وقتامة المشهد في القطاع، ولهما أمنية أن يزول الحصار وتتوقف آلة الحرب وتجف شلالات الدّم ويعود كل مهجّر إلى بيته وأرضه وأهله.
ويؤكدان أن عرسهما اليوم لم يكن الأول فقد اعتاد أهالي القطاع على مواسم الأفراح وهم فوق الركام وتحت الأنقاض، ولن يكون العرس الأخير، بل ستبقى الأفراح في فلسطين عامرة طالما أن هناك قلوباً نابضة متمسكة بجذورها وأرضها “ووجوه تسعى إلى حتفها باسمة وطالما الطغاة يخافون من الأغنيات” سنفرح ونغني.