الملحق الثقافي- رجاء شعبان:
كل عام وهو بخير.. سواء أكان عاماً يرحل أم عاماً يأتي! نحن لا ندري إن كان بإمكاننا أن نسرد إنجازاتنا وما حقّقنا في عام.. فالعام هو حلقة من سلسلة متّصلة لأعوام، وما نريده أن يتحقّق في عام هو مشروع قرار أو طموح استوجب عمل سنوات وحان قطافه ولو بثمرة منه …. أمّا عن مقولة كان عاماً سيّئاً أو سعيداً أو فاشلاً أو ناجحاً فهذه منسوبة لبعض مشاعرنا… لأنّ العام أو الزمن هو ورقة بيضاء فارغة…. بماذا تمتلئ؟ هذا ما يحكمه الحظ، ويلعب به الاجتهاد ويحسم به القدر.. ولكي ندخل في لبّ الحقيقة، فأعوامنا نحن البشرية بالعموم، وإن بدت تتطوّر فهي ليست إلا تتأخر بالمعنى الحضاري والواقع البشري رغم تقدّم التكنولوجيا وصناعة شموس وأقمار صناعيّة وابتداع وخلق حتّى بشر صناعيين ذوي فكر وحركة وسلوك وتفكير ربّما وعمل… لكن أين صار هذا الكائن البشري الطبيعي..؟ صنع الطائرات ليضاهي بها الغيوم، ويلامس فيها بأحلامه أعنان السماء، ولكنّه أخذه الهواء…صنع الدواء ليُبيد البشر بعد أن يتاجر ويضحّي فيهم!… فغدا ما صنع وما وصل إليه مما يخدمه يسؤوه…. فما هذه الحروب وآلات القتل الطاحنة وفكر التدمير رغم ارتفاع الأبراج والاقتتال على فكر أو شبر أرض وتضييع الهويّة رغم صناعات كينونات جديدة وإعادة تطبيق وبرمجة كل شيء على مزاج الفوضى والفراغ.
عام 23 كان ثالث عام من أعوام وابلة من بلاء وكربٍ وفقرٍ وجوع وعتمة وحروب على البشرية وفي البشرية وبالبشرية ذاتها، وعلى الكوكب كلّه بنباتاته وحيواناته وحجره…
وآخر ثلاثة أشهر غيِّرت صفحة التاريخ للأبد… وماعاد الإنسان يدرك بحقّ مَن هو لهول ما وصل إليه، وما رأت عينَاه من فظاعة المشهد وخاصة في فلسطين… ومشاهد تجميع لمجازر ونكبات التاريخ كلّه … فكيف سنرى الواقع إلا من نافذة الضيق والحزن والأذى… مَن يستطيع أن ينام وقنابل المأساة توقع السقوف كل ثانية فوق رأسه؟
أعتقد أن البشرية جميعها عادت للفكر والشعور الجمعي المأساوي المشترك بشكلٍ أو بآخر، ومفاهيم العيش والحياة تغيرت لدرجة الرعد والرعب والاهتزاز والانقلاب؟ فهل حقاً بقينا نعيش أم نشهد حرب قيامة وأشراط ساعة تُنذر باقتراب السّاعة والوعد المكتوب، مما يُنبَئ عنها في قنوات صادقة وكاذبة؟
نحن لن ننشغل كثيراً بمشاريع غيرنا وسنضيّق الفتحة علينا لنرى ماذا حقّقنا وماذا في بيدرنا من حصاد وماذا نأمل؟ بالنسبة لي حصدتُ أحزاناً، وكان لي هذا العام مفترق طرق وولادة جديدة تسربلت من موت دعتني أرى الزمن بمنظار آخر… أنّنا كلّنا زائلون ولا قيمة لنا ولا لما عشناه وفكّرنا به من طموحات…. فالحياة عبارة عن لحظة وداع وفكرة مؤثرة… وهذا الإنجاز العظيم الذي حقّقه لي عام 23 يعتبر قمّة في النضج وقطف ثمار طالما زرعنا لأجلها ومشينا الدروب راحلين غادين نسرح ونمرح ونفكّر وننشط ونخيب ونرغب… لكن كنّا دائماً نعاند ونحاول أن نستخرج جواهر الفرح من تحت الأنقاض ومن بين الرماد، أما الآن فلا… وقد خانتنا عافيتنا جلسنا، وضحك علينا أملنا وقد أرانا الواقع سخفَ مانريد…. فلا شيء بقي لنحاول أن نحصل عليه…. قد تكون هذه درّة جديدة أضفناها لمحصّلتنا بعام 23 ولكن لم نعرف قيمتها وغلاوتها بعد… إنها جوهرة الحريّة والخلاص من العبوديّة لشيء اسمه التعلّق أو الامتلاك أو الطموح.. كان دائماً يخادعنا ببقائه وقد فاجأنا بفنائه… وبقينا نحن خيط دخان شاهد.
مانأمله من عام 24 أن تتوقف الصراخات والعدوان الوحشي على غزّة وفلسطين وفي كل بقاع وزاوية من العالم المتوتّر والمتشنّج وأن يتوقّف الدخان المستعر جراء تدمير واحتراق كل لحظة ومعها عمر كامل لكلّ شخص… أن تهدأ الأرض من هذا الجنون….أن تنهض من هذا الموت، وهذا جلّ أمنياتنا…. لن نرغب أكثر وقد ماتت الرغبة على أعتاب المستحيل ونقول نتمنى أن نعود كما كنّا نأكل ونشرب ونتدفّأ ونزرع ونقطف ونضحك ونخطط ونمرح ونشارك الحياة بعضنا ونعيش….
ووداعاً ياعاماً حزيناً وغنيّاً بفقره وفقيراً بغناه، ويا مرحباً بعامٍ بريء سيشعله الزمن بفوضى الأحداث والله وحده المنقذ والمعين.
وكلّ عام ونحن بخير.
العدد 1173 – 9 -1 -2024