الملحق الثقافي- د: ياسر صيرفي:
لا شكَّ في أنَّ الإنسان عندما اختاره الله خليفةً له على وجه البسيطة ألبسَه عِبئاً ثقيلاً، فكونُك خليفةً لِمَن بيدِه مَلَكُوتُ السماواتِ والأرضِ شيءٌ عظيمٌ لا شكَّ فيه، لكنْ وبمجرِّدِ أن اختارَنا الله تعالى من بينِ خلقِهِ؛ لنكون له خلفاءَ في الأرضِ فهذا أمرٌ يبعثُ فينا القوّةَ والعزيمةَ والإصرارَ، فنحنُ مصنوعٌ جميلٌ لخالقٍ عظيمٍ أبدعَ في خلقِنا أيّما إبداع…
فهل نحن قادرون عبرَ محطّاتِ حياتِنا على تركِ بصمةٍ تخلّدُنا وتكونُ قادرةً على تغييرِ الموجوداتِ التي تحيطُ بنا أو التي نسيطرُ عليها؟ وهنا يقفزُ إلى صفحةِ التّساؤلِ ما يُسمَّى الطّموحَ والعملَ الجادَّ الذي ينبغي أنْ يكونَ هاجساً فريداً ومُتفرِّداً لكلِّ إنسانٍ، فالإنسانُ بِلا طموحٍ شجرةٌ بلا عصافيرَ، وجسدٌ بلا روحٍ، وأرضٌ بلا سماءٍ، فعلى كلِّ إنسانٍ أنْ يكونَ وفيّاً لماضيه، ومُحفِّزاً لحاضرِه، ومُتفائلاً بمستقبلِه، وإنْ كانَتِ الايّامُ قد فرضت علينا بتسلُّطها ما لا نطيقُ أحياناً فإنّنا بالعلمِ والعملِ والثّقةِ باللهِ تعالى استطعْنا في العامِ المُنصرِمِ أن نرسمَ لأنفسِنا منهجاً قويماً استطعْنا في ظلِّه أنْ نحقّقَ طموحاتٍ لم تكنْ موجودةً أصلاً، وعلى سبيلِ المثالِ لا الحصرِ- بالنسبة لي- كنتُ أظنَّ مرحلةَ الدكتوراه سقفَ كلِّ طموحٍ علميٍّ وغيرِه، لكنّني بعدَها فهمْتُ معنى أنْ أرسلَ اللهُ تعالى لسيّدِنا موسى الذي وصل من العلمِ ما وصلَ إليه أرسلَ إليه سيّدَنا الخضِر الذي علّمَه أشياءَ ما كانَتْ في الحسبانِ ولا تخطرُ ببالِ بشرٍ، فأدركْتُ أنَّ الحياةَ لا تقفُ عندَ حدٍّ، وأنَّ الطموحَ لا يمكنُ أنْ يُوضَعَ في قُمْقُمٍ، فانطلقْتُ في مسيرتي العلميّةِ والعمليّةِ بمشاريعَ أرتقي بها علميّاً؛ لأمحوَ ما كانَ عالقاً في كياني من جهلِ الماضي الذي لا يمكنُ أن أنكرَه، ومن ثمّة أرتقي بها عمليّاً في تحصيلٍ مادّيٍّ لا يمكنُ تحديد بوصلتِه أو مرجعيّتِه، فكنتُ راضياً عمّا سلفَ، وسأبقى طموحاً لِما هو آتٍ، وما دام النَفَسُ يتحرَّكُ سيبقى الطموحُ إلى أنْ يتحقّقَ، أو يقضيَ اللهُ أمرَه، فأكون مِمَّن غادرُوا وتركوا بصمةً في الحياةِ عنوانُها جميلُ الأثَرِ، وزادي في مسيرتي في الماضي والحاضرِ والمُستقبلِ «الجوارحُ تعملُ والقلوبُ تتوكَّلُ» فلا حياةَ من دونِ طموحٍ .
العدد 1173 – 9 -1 -2024