الثورة – يمن سليمان عباس:
في تراث الشعوب وفكرها الكثير من الحكايا التي تدل على أن البناء المادي يتهدم سريعاً، إذا لم يكن هناك بناء آخر يدعمه ويحميه هو بناء الإنسان.. وتشير وقائع بناء سور الصين العظيم إلى ذلك، فقد استمر بناؤه قرناً من الزمن ليحمي الإمبراطورية من الأعداء، وبالمناسبة هو من معالم الأرض القليلة التي تظهر لرواد الفضاء.
تقول الحكاية: إنه بعد انتهاء العمل بفترة في هذا السور، جاء الغزاة ولم يجربوا اقتحام السور، لأن من يحرسون البوابات ببساطة فتحوها أمامهم.
لقد بنى الصينيون الحجر ونسوا أن يبنوا الإنسان، فكان ما كان، وقريباً من هذا ما يقوله ويرويه الكاتب البرازيلي الشهير باولو كويلو يقول: كان الأبُ يحاول أن يقرأ جريدته اليومية كما عادته في كل صباح، لكنّ ابنه الصّغير نسبياً والذي ينعمُ في عطلة نهاية العام الدراسيِّ لم يكفّ عن مضايقته!
تقول القصةُ: إن الأب قام بقطع ورقةٍ من وريقات الصحيفة كانت تحوي خريطة العالم، ثم مزقها إلى قطعٍ صغيرة، وقدمها لابنه طالباً منه إعادة تجميعِ الخريطة (راجياً أن يملأ وقت ابنه بما هو مفيد، وأن يجد وقتاً مريحاً ليُكمل مطالعة الجريدة)، إلا إنه لم تمرّ نصف ساعةٍ حتى عاد الابن إليه وقد أعاد ترتيب الخريطة!
تساءل الأب مذهولاً: هل كانت أمّك تعلّمكَ الجغرافية؟
رد الطفل قائلاً: لا؛ لكن كانت هناك صورةٌ لإنسانٍ على الوجه الآخر من الورقة، وعندما أعدت بناء الإنسان، أعدت بناء العالم!
لقد كانت عبارةً عفويّةً نطقت بها شفتا شابٍ في مقتبل عمره، لكنها ذات معنى عميقٍ ودقيقٍ إن تأملناه).
ما أحوج العالم اليوم إلى إعادة بناء القيم الإنسانية قبل أي شيء آخر.. صحيح أننا نعيش ونرى البناء المادي يعلو ويرتفع، بل يشمخ، لكنه يهوي وينهار أمام أول عاصفة وامتحان، لأنه بلا جذور، بلا قيم المحبة والإنسانية.