ثورة أون لاين- بقلم رئيس التحرير: علي قاسم: لم تعد رمزية الاحتفال بانتصار أيار مجرد ترسيخ لاندحار إسرائيلي مفصلي أسس لما بعده، بل هي ساحة جديدة للمواجهة في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة العربية والصراع المحتدم بين خطاب غربي يستنفر أدواته ويستعيد الكثير من مفرداته،
وبين خطاب مواجه تخلى عن جزء من مفرداته والكثير من مصطلحاته، فيما خطواته باستعادة حضوره تبدو متثاقلة لا تماشي لغة الصراع القائم.
فالواضح أن المواجهة، وإن لم تعلن بشكل مباشر، فقد وصلت إلى درجة الغليان في بعض مفاصلها، وخصوصاً لجهة الأدوات العربية والإقليمية المستخدمة فيها، حيث استرجعت تلك الأدوات مواقعها داخل الهيكل الغربي، ولعبت دوراً تحريضياً لم يقتصر على أداء المهمات الموكلة إليها، وإنما تنطّحت لإضافات كثيرة، أضفت عليه طابعاً فضفاضاً وأحياناً كاريكاتيرياً.
والمفارقة أن الانكسار الغربي، وجد الفرصة لإعادة النظر بأدواته واستحضار ما غاب منها واستبدال ما ثبت عقمه مع إضفاء طابع جديد عليها، فيما الانتصار على إسرائيل الذي أسس له أيار 2000 أحدث حالة من التململ، وأحياناً بعض التحرج في معظم الخطاب العربي الذي تعامل معه بكثير من التوجس وغمز من قناته في حين كاد يغيب تماماً في محاكاته للواقع الجديد، وما فرضه من مفردات جديدة لم تجد لها أي صدى، بل ثمة من وجد فيها إغراقاً لا مبرر له!!
في هذه الأجواء كان التحضير الغربي يجري على قدم وساق في حين استلّ بعض العرب سهامه تصويباً واستهدافاً.. تمهيداً ليستعيد إشغال مكانه في أدوات المشروع الغربي، ومارس دوراً مزدوجاً، وقدم خطاباً بالغ في طواعيته وانسجامه مع حالة الانتصار العربي وبدء هزيمة المشروع الإسرائيلي، وأحياناً كان يتقدم على ما سواه.
واليوم حين اشتعلت المواجهة كان الكثير من العرب قد شغلوا مواقعهم داخل المشروع الغربي، بل بعضهم على الأقل كان رأس الحربة التي أشعلت المواجهة وأعطتها طابعاً ذاتياً نفذت من خلاله الكثير من الأوراق والأدوات التي كان يصعب أن تنفذ لولا التموضع العربي.
المدهش أنه تم التعامل بذاكرة قاصرة لم تكتف بالغاء مفردات خطاب الانتصار العربي والخطوات التي تحققت فحسب، بل عملت على سلبها كل مكاسبها، وما راكمته على مدى السنوات التي تلت انتصار أيار والاندحار الاسرائيلي ولم تتردد في محاولة تعويض الهزيمة الإسرائيلية بافتعال انتصارات وهمية وشعاراتية في الحرية الديمقراطية كانت في مجملها مكاسب حقيقية لإسرائيل، حين كانت المستفيد الوحيد من كل ما شهدته الساحة العربية.
ولم تكتفِ تلك الأدوات بذلك، بل عملت على سحب مفردات خطاب انكسار إسرائيل من التداول، واستبدلت به خطاب الانتصار على العرب، وبدت المعارك القائمة بين العرب على العرب جزءاً من معركة كونية استحضرت في سبيل انتصار بعض العرب على بعضهم الآخر الناتو والإرهاب، وحين عجزت أو أحست بأنها تكاد تنكسر لم تتردد في استقدام القاعدة كتعويض أخير ونهائي وربما سهماً أخيراً في جعبة الغرب وبعض العرب الذين كانوا البيئة والحاضنة لها وبمباركة أميركية صريحة وإسرائيلية مضمرة.
وفي السياق ذاته لم تنكر تلك الأدوات بأنها على استعداد أن تتحالف مع الشيطان ذاته من أجل أن تسجل أنها انتصرت على العرب ولم يكن التحالف مع إسرائيل خارج الحسابات، بل في صلبها معتمدة على الحليف التركي الذي قدم خبراته وسخر قدراته لإقامة جسور الاستهداف، فكان المظلة السياسية والأمنية والإعلامية للمسلحين والإرهابيين ورأس جسر كي يسجل مشيخات الخليج انتصارهم المدوي على ما عداهم من العرب في معركة لا تقبل القسمة على اثنين!!
أكثر المفارقات مدعاة للتأمل في يوم الانتصار أن يكون الإفراج عن المختطفين اللبنانيين بمساعٍ تركية ومن تيار المستقبل ومن أكثرها مدعاة للقراءة المتمعنة تلك الجهود التي استطاعت أن تحرج المسلحين.. وفي التوقيت المحدد ليكون مشهداً آخر يضاف إلى سلة العجائب العربية والإقليمية.!!
a-k-67@maktoob.com