ها هو معرض الكتاب في القاهرة يعود من جديد ليشهد منذ أيامه الأولى إقبالاً كبيراً بما يشي باهتمام القارئ العربي بالكتاب، ومثله الناشر الذي يجهد خلال عام كامل على أن يصدر أعداداً من العناوين يشترك بها في واحد من أهم معارض الكتب في المنطقة العربية.
فعلى مر العقود المنصرمة شهدت العواصم العربية ظاهرة مميزة، ومتجددة على الدوام تعكس الاهتمام بالثقافة، والمعرفة، وتعزز الحوار الثقافي، والتبادل العلمي وهي توالي معارض الكتب، فما إن ينتهي معرض للكتاب في إحدى العواصم حتى يبدأ معرض آخر في عاصمة أخرى. وإذا ما تزامنت تلك المعارض كانت حافزاً للتنافس، وتعزيزاً لحركة النشر، وارتقاءً بصناعة الكتاب من حيث الشكل، والمحتوى الأكثر إثارة للاهتمام.
وهي في الوقت ذاته أي المعارض مناسبة مهمة للقرّاء من المثقفين، والباحثين كما المؤلفين والناشرين للالتقاء، وكذلك للقاء الجمهور العريض، كما أنها منصة للتعرف على أحدث الإصدارات الأدبية، والعلمية، والفكرية، وعلاوة على ذلك تعتبر هذه المعارض مناسبة لتبادل الأفكار، والخبرات من خلال الندوات، ومختلف الفعاليات الثقافية التي ترافقها.
ومع تقدم التكنولوجيا، تأتي المكتبات الرقمية لتعزز وتكمل معارض الكتب التقليدية، وتوفر فرصاً أكبر للقراءة، وللوصول إلى المعرفة، ونشر الثقافة. ففي هذا العصر الرقمي، يمكن للقراء الوصول إلى آلاف الكتب، والمقالات، والمجلات عبر شبكة المعلومات، وذلك بمجرد النقر على زر. فالمكتبات الرقمية تلعب دوراً مهماً في تعميم القراءة، وتحقيق المساواة في الوصول إلى المعرفة، وتوفر مجموعة واسعة من المصادر، والمواد، وتتيح للأشخاص الفرصة للاطلاع على المحتوى الثقافي بكل سهولةٍ، وتنوعٍ بين الخيارات القرائية. بينما المؤلفون والناشرون يجدون فرصتهم لنشر أعمالهم بشكل أسرع، وأوسع في الوصول إلى جمهور قد يكون عالمياً.
وبين هذين المكانين أروقة المعرض والمكتبة الرقمية، وهاتين الوسيلتين للمعرفة والاطلاع يقف القارئ المتعلم إلى جانب القارئ المثقف، والاهتمامات تتنوع، وتختلف بين هذا وذاك. (مثقف) و(متعلم) مصطلحين قد يبدوان متشابهين إلى حد ما، إلا أنهما يشيران إلى مفاهيم مختلفة، ويحملان دلالات مختلفة أيضاً. فالمتعلم هو ذلك الذي يبحث عن المعرفة، وغالباً ما هي في مجالات أقرب ما تكون لاختصاصه الدراسي، أو المهني، واهتماماته الشخصية، واحتياجاته. وبالمقابل يُعرف المثقف بأنه ذلك الذي لديه معرفة واسعة وعميقة في مجالات عدة، وهو لا يمتلك المعرفة فقط بل يمتلك القدرة على التفكير النقدي، والتحليلي، ويمكن أن يكون متخصصاً في مجال محدد مثل الأدب، أو الفن، أو العلوم الاجتماعية، إلا أنه يمتلك في الوقت ذاته فهماً عميقاً للتاريخ، والثقافة، والفلسفة المرتبطة بهذا المجال.
بالتالي يمكننا القول إن الفرق الرئيسي بين المتعلم والمثقف يكمن في مستوى المعرفة، والفهم العميق لها، وليس في اكتساب بعض منها. على أي حال فالمصطلحان ليسا متناقضين بل يمكن أن يتواجدا ويتعايشا لدى الشخص ذاته، فالمتعلم يمكن أن يصبح مثقفاً عندما يتسع اطلاعه، ويتعمق. وعندما يصل الاثنان المتعلم والمثقف إلى معرض للكتاب، وكلاهما يسعى لاكتساب المعرفة، يتجسد الاختلاف بينهما في طريقة تفكيرهما، ونوعية اختياراتهما.
إلا أن الإقبال على اقتناء الكتاب من قِبل قرائه سواء أكانوا من المتعلمين أم من المثقفين يبقى مؤشراً إيجابياً يبشر بمجتمع أكثر وعياً، ونضوجاً، وعلماً، ولاسيما إذا ما اعتبرنا المتعلم والمثقف كشخصيات متكاملة تتعاون في توسيع المعرفة، وتطوير الثقافة الشخصية، وبالتالي تطوير المجتمعات.