ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســــــم:
لا يخلو الإشغال التركي بالحديث عن المناطق العازلة من دلالة تسبق المشهد السياسي بأشواط، ولا يستبعد من أجنداته أن يكون بالون اختبار إضافياً، وفي بعض جوانبه محاولة استباق للخطوات القادمة وعملية قصف سياسي تمهيدي على محاور التحالفات بين أميركا وأدواتها، بالتنسيق والتناغم مع إسرائيل.
وإذا كانت حكومة أردوغان هي السباقة إلى تزعم تيار المناطق العازلة، أو في صدارة الأصوات الباحثة عن مقعد، ولو في القاطرات الخلفية للتحالف، فإن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أنه معزول في سياقه أو خارج ترتيبات التنسيق المباشر مع إسرائيل، بدلالة أن التوافق لا يقتصر على التوقيت والتطابق في الطرح بقدر ما يتقاطع مع الدور والغاية والهدف.
ورغم حالة الصمت المتعمد من قبل الغرب عموماً في التعاطي مع الطرح التركي، وقبله الإسرائيلي أو معه، فإن أحداً لا يشك لحظة بالتنسيق المسبق، وخصوصاً فيما يتعلق بمعايرة الموقف تبعاً لأجندات بدت في أغلبيتها مستنسخة من المربع الأول للحسابات الغربية، وبعضها طبق الأصل دون أي تعديل، اعتماداً على العودة الأميركية ذاتها أو تيمناً بها، حين أعادت إلى الواجهة حديث ما تسميه المعارضة المعتدلة بعد أن كانت قد طوت صفحتها على لسان الرئيس أوباما ذاته باعتبارها فانتازيا!!
وما دام الأميركي السبّاق في العودة إلى النفخ في الأوراق القديمة فإن أتباعه من أدوات وملحقين أساسيين أو ثانويين لا يستطيعون أن يشذوا عن القاعدة التي اقتضت إعادة توزيع الأدوار بين التركي الباحث عن مناطق عازلة، والقطري الحالم بإسقاط الدولة السورية، والسعودي المنتشي بصدارته للأدوات وتحييد الاثنين معاً، فيما الإسرائيلي يعيد إدارة دفة الفواصل الميكانيكية ومعايرة تطابقها مع أجنداته الخاصة، التي تمثل حجر الرحى في المشروع الغربي ونقطة الالتقاء بين محاور الحلفاء التي لا يختلفون عليها.
في المقاربات النقاشية التي تحاول أن تحلل ما سيذهب إليه التركي مدفوعاً بكثير من الأحلام المتورمة في استعادة أمجاد وأطماع طمرتها التطورات والسنون، تقف على الواجهة الأمامية والخلفية منها سراديب عدة ومتاهات متنوعة، أغلبها ناتج عن العين غير البصيرة واليد الأكثر من قصيرة، إلا من خلف ستار الخفافيش التي أطلقها في وضح النهار من مرتزقة وإرهابيين استفاضوا في التعرف على معالم الشوارع والمدن التركية ومخارج مطاراتها على اتساعها.
وفي المحصلة، ثمة جدل يتسع في إطار التراجيديا الدعائية المحمولة على حملة علاقات عامة موسومة بكثير من المبالغة والتهويل لاستعادة الصوت التركي الغائب عن حلقات الحلفاء ومجالس الأدوات، لكنها على الأرض تحمل مؤشرات حماقة لا تغيب عن أحد، ولا هي خارج بند الأولويات الأردوغانية لتسجيل موطئ قدم يسبق خطوات التحالف الأميركي. أو يفرض في الحد الأدنى البحث عن مشاركة الأمر الواقع، بحكم ما ستمليه أي مغامرة من انقلاب في الحسابات وربما الطاولات أيضاً.
على هذا النحو لا يستطيع أحد تبرئة أي جهة أو طرف، يتجاهل موبقات ذلك الزعيق الصاعد.. الواصل إلى أسماع العالم برمته، وإذا استمر التثاؤب والإغفاء المتعمد وإغلاق الأذن والعين فإن الخطر لا يعود مرتبطاً بحدود المغامرة، ولا بمعيار التذرع بالتطورات وشعار مكافحة الإرهاب، بقدر ما يعكس انزلاقاً إلى المجهول، لا يكتفي بالمنطقة، بل يتسع بالضرورة خارجها.
لسنا بوارد إعادة التذكير بتلك الأوراق التي احترقت منذ وقت طويل، ولا بالتجارب الساقطة تاريخياً وشرعياً وأخلاقياً، والمرفوضة شكلاً ومضموناً وتوجهاً واتجاهاً، لكن حذار من العودة إلى العبث بما تبقى من رماد فيها، لا يثير غباراً فحسب، بل يحاول أن يصطنع جمراً من أطماع اعتادت أن تؤججه أصابع بات لعبها بالنار إدماناً، بالتوازي مع احترافها في دعم الإرهاب كوجهين لعملة المشروع الغربي بسطوره الاستعمارية ولبوس أطماعه.
a.ka667@yahoo.com