الثورة – ديب علي حسن:
مرت منذ أيام ذكرى رحيل واحد من أهم الشعراء الذين تركوا بصمة إبداعية في المشهد الشعري ولاسيما في الغزل والجانب الاجتماعي..
وجيه البارودي ابن حماة الذي درس في الجامعة الأميركية في بيروت، وتخرج طبيباً، ليعود إلى مدينة أبي الفداء لم يغادرها أبداً، وهبها حياته وعلمه.
وكان الطبيب البار بأبناء مدينته، وهو الذي لاقى ما لاقى من مصاعب، لكنه لم يستسلم للواقع الاجتماعي بل عمل على محاولة التغيير والنهوض بالمجتمع.
– محطات..
ولد وجيه عبد الحسيب (البارودي في الأول من آذار /1906/ لأسرة موسرة من وجهاء مدينة حماة.. وتلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة ترقي الوطن في المدينة، وكان جلّ معلميها من أساتذة الدين واللغة العربية، وهذا ما منحه أساساً ثقافياً تراثياً متيناً، وفي سن الثالثة عشرة أرسله والده ليتابع دراسته الإعدادية والثانوية والجامعية في الجامعة الأمريكية في بيروت، حيث برز تفوقه في شتى أنواع العلم والمعرفة نظم الشعر وهو طالب في الجامعة، وكان يتطارح الشعر مع زميله إبراهيم طوقان والشاعر العراقي حافظ جميل.
وفي عام 1932 تخرج طبيباً فعاد إلى مدينته ليمارس مهنته التي برزت فيها براعته، كما برزت إنسانيته وحبه لمساعدة الفقراء.. واستمر في عمله الطبي قرابة ستين عاماً، لم يخرج فيها من حماة إلا نادراً، حيث كان يعمل ليلاً نهاراً متنقلاً في أحياء المدينة لزيارة مرضاه كي لا يكلف زبائنه الفقراء الكثير، وكثيراً ما كان يتنقل على دراجته الهوائية.
وأتاحت له مهنته الاتصال بالبيئات الشعبية على اختلاف أنواعها، مما كان له أكبر الأثر في اتجاهه الاجتماعي، وفي عام 1975 أقامت له مدينته حفل تكريم ألقيت فيه البحوث والقصائد، وأصبح في عام 1978 أول رئيس لفرع اتحاد الكتاب في حماة، وقد توفي في 11 شباط عام 1996 عن عمر يناهز التسعين عاماً.
أصدر في عام 1971 مجموعتيه (بيني وبين الغواني- كذا أنا)، وفي عام 1995 أصدر ديوانه /سيد العشاق/ وخلَّف قصائد لم تنشر، جمعها صديقه المرحوم وليد قنباز تحت عنوان (حصاد التسعين..).
– من قصائده:
قالت غداؤك عندي قلت يا فرحي
هذا الغداء غذاء الروح والجسد
بالأمس أشحذ منها نظرة فإذا
جادت حفظت لها العرفان للأبد
واليوم كأس مدام في مباهجها
والعين بالعين لم تطرف ولم تحد
وجوّنا بمزايا عطرها عبق
فيا شذا وردنا إن غبت لا تعد
تنزلت من سماء الوحي مائدة
على وجيه فما عيسى بمنفرد
شغلت باللحظ عن أكل وعن كرم
فللصبابة معنى ليس في الدسم
جوعانة عين من يهوى فلا شبعت
من المحاسن عين العاشق النهم
فيا جوارح قلبي من مفاتنها
عبا وإن صام عن حلو الرضاب فمي
تلمظت هوج أشواقي إلى شفة
توحي إلى النفس معنى غير محتشم
فكيف أصبر عن إغرائها أدباً
لا عاش قلب لدى الإغراء كالصنم
راودتها عن دعابات وعن قبل
ورحت أغزل ألواناً من الغزل
مستمتعاً بانتصارات فإن حنقت
أوهمتها باشتطاط الشارب الثمل
أروي لها سير العشاق متخذا
من الرواية دور العاشق البطل
وتنبري هي في دور الفتاة فإن
أمرتها انسجمت في الدور تخضع لي
فإن دنت قبلة ألهبْتها قبلاً
وإن دنت جفوة عشنا على الأمل
حتى إذا دارت الأيام دورتها
إلى التلاقي تنادينا على عجل
وكان ما كان من عتب ومن جدل
ومن طرائف لولا الصبح لم تزل
مرت سراعاً ولم نشهد نهايتها
مات النهار وعمر الليل لم يطل.
ومن قصائده اللطيفة أيضا قوله:
مررت أمس على العافين أسألهم ما تبتغون؟ أجابوا: الخبز والماء
ومرَ بي مترفُ يشكو, فقلت له: ممَ اشتكيت؟ أجاب: العيش أعباء
سيّارتي فقدت في اللون جدَتها أريد أخرى لها شكل و لألاء
يا معدمون أفيقوا من جهالتكم يا من حياتكم نتنٌ و أوباء
لابدّ للأرض من يوم تثـور به والشمس من حنق في الأفق حمراء.
وكان الشاعر قد كتب الكثير من القصائد لمطربة الجيل ميادة الحناوي التي أعجبت بشعره.
صدرت دراسات كثيرة عن إبداعه الشعري ومنها كتاب صدر عن اتحاد الكتاب العرب حمل عنوان (آخر شياطين الشعر).
