الثورة- هفاف ميهوب:
نحتاج في هذا الزمن القاسي الذي يجبرنا على التجهّم، وعلى رؤية الحياة بطريقةٍ جداً مأساوية.. الزمن الذي غادرتنا فيه الفكاهة والابتسامة، بعد أن داهمتنا الحروب والمجازر والمآتم والكوارث الطبيعية.. نحتاج لمن يجعلنا لا نقنط أو نقلق أو نهتم، وإنما نقوم برحلاتٍ ولو قصيرة إلى عوالمٍ، تنفض عنّا بعض البؤس والحزن والألم.
إنها العوالم التي تدعونا إلى “رشقات من الضحك”. وهو ما دعا إليه الروائي التشيكي “ميلان كونديرا” في “الضحك والنسيان”، مقتبساً عن النسوية الفرنسية “آني لوكليرك” وقصدها: “الضحك المتكرّر، المتسارع، الحرّ، الجليل، المتكبّر، الغاضب. ضحك المتعة الحسيّة: أن تضحك هو أن تعيش بعمق”.
هي أيضاً، العوالم التي تحرّرنا من عجزنا، ومن كلّ الحالات التي رآها الفيلسوف الألماني “نيتشه” سبب تعاستنا وفنائنا، بل السبب في كون “التعس يضحك ليبدّل تعاسته بالفرح، وأجمل فكاهة تصدرمن أعمقِ الناس حزنا”..
طبعاً، الضحك الذي نقصده هنا، ليس ذاك الذي وصفه الأديب الألماني “توماس مان” في “دكتور فاوست” بـ.”التهكّمي الساخر، الجهنمي، الشيطاني”، بل ذاك الذي يمنح الإنسان فترة راحة مؤقّتة ومهدّئة، لتوتّره الذي يتفاقم مع تفاقم عجزه، أمام ما يراه من خرابٍ ودمارٍ كوني..
نعم، نحتاج إلى هذا الضحك وعفويّته، وليتنا نتعوّد عليه كما تعوّد الفيلسوف الدانماركي “سورين كيركجارد” الذي جعل فلسفته:
“الرد التكتيكي الذكي الوحيد على فظاعة الحياة، هو الضحك بكلّ تحدٍّ وجرأة، فعندما وعيت على الواقع بدأت أضحك، ولم أتوقّف عن الضحك منذ تلك اللحظة”..
لاشكّ بأنها حالة تستدعي التوقف لديها، والأخذ بآراءِ فلاسفةٍ وأدباء كُثر، أثبتوا ما أثبته الإيطالي أمبرتو إيكو” في “اسم الوردة”، وبأن “الضحك يحرّر الإنسان من الخوف، والفكاهة سلاحاً ودرعاً في مواجهة الأصولية والتعصّب، وبوسعها أن تسوّي سجالات المثقفين. دون أن تتمكّن في النهاية من حلّ مشاكل الحياة، ومن الدفاع عن الحقيقة القائمة..
كلّ ذلك يجعلنا نقول: لأن حاجتنا للفكاهة والضحك، باتت من متطلبات حياتنا السوداوية،
علينا العمل بنصائح هؤلاء الفلاسفة وغيرهم، لمواجهة تجهّمنا وما بات يستشري حولنا، من أمراضٍ أغلبها نفسية وعقلية.
علينا تجنّب كلّ ما يحيل حياتنا إلى ضجِرة ويائسة وقلقة، وكلّ ما يجعل علاقاتنا وكلماتنا وأحاسيسنا، غير مرنة أو متّزنة أو موفّقة..
بكلّ الأحوال، تبقى الضحكة أو الفكاهة، وعلى رأي المفكّر والناقد الانكليزي “تيري إيغلتون”: “الفكاهةُ تسليةٌ مجانيةٌ للعقل، تريحنا من سلسلةِ الأفكار الروتينية، وتخفّف من استبدادها، وتمنعنا من أن نصبح عبيداً لها”.