الملحق الثقافي- رجاء شعبان:
هل يستطيع المبدع أن ينأى بنفسه عن مجتمعه؟ ومَن هو أليس فرداً من أبناء جلدته؟ وشكواه شكواكم وزهوه زهوهم! بلى هو ذلك… وبالنظر إلى معاناة أي مجتمع لا أعتقد أنّ هناك معاناة تفوق معاناة السوري.. هذه المنطقة العظيمة سورية.. العاصمة الأبدية للتاريخ… لقد دفعت ثمناً باهظاً لتبقى على ذلك عروس الدهر وبقية الأرض من احتفاظها بالمبادئ والقيم والمقدسات لبني الإنسان وكتراث لله في خلقه من أرض وأنبياء ورسالات … وقديماً كانت سورية نعني بها كل بلاد الشام قبل دخول الاستعمار وتقسيمها لدول وكينونات، لتحفظ الأم سورية باسمها وليأخذ أبناؤها أسماء دول أخرى كلبنان وفلسطين والأردن، وتبقى بعمقها مركز القضايا العالمية وقعر المآسي البشرية، هذا القلب النابض سورية الأم ليس للوطن العربي فحسب بل قلب العالم كله، فإن مرض مرض العالم وإن انتعش عاش العالم كله، وبعيداً عن مدى صحة هذا الكلام لكنه يبقى حقيقة، على الأقل حقيقة تاريخية أو جغرافية، وبالعودة إلى الشريان المكلوم فلسطين الذي يؤثر حتماً على القلب الأساسي، وجعه حصل بعد وجع القلب الأكبر سورية، وحقيقةً لا يُفصَل القلب عن شرايينه فكيف يهنأ الاثنان من دون ذاك المد والامتداد بدم الحياة.
الآن الشام مكلومة بامتداداتها الأربع ومَن سيشعر بوجعها أكثر من أبنائها؟ فمهما تعاطف الجيران والأبعدون يبقى التأثير أقل وجدانياً إلا من حمل في قلبه عشقاً للانسانية والقيم والمبادئ.
والإنسان السوري هذا المبدع هل واكب آلام بلده؟ هل ترجمها حقّ ترجمة وقدر أن يشخص جراح أمه، ويأتي لها بالطبيب المختص العارف بأوجاع لا تراها العين المجردة والجسد من كثرة ما حمل من آثار أوجاع ضاعت ملامحه! حاول هذا المبدع السوري أن يفعل ذلك لكنه عجز…. فالوجع تفاقم… والحزن سيطر وخيم والفوضى لكثرة الانتظار دبّت وتسللت… لتموت الأم على أنقاض الخوف والترقب لأبنائها… لاشك سيبقى منهم مَن لم يدعها إطلاقاً وماسكاً بجذوة إيمانه وحبه ألا يفقد آماله ببقائها حية معافاة تنبض بكل شرايين العالم…. فالأم كون وبعده يضيع ذاك الكون ويكون البديل أوطان مبعثرة مشتتة من هنا وهناك على درب الاستقرار والسكن من دون حضن حقيقي وسكينة أو بعض طمأنينة.
سورية أيتها المغادرة دروب الفرح إلى غير رجعة اللهم إلا بمعجزة تهبط من السماء… لقد نهشتك الوحوش الجائعة وبقيت ذكراً وأطلالاً يصحي ضمير العالم ويكون حجة الضمير في الأيام القاضية المقضية حيث سيقضي الله أمراً كان مفعولاً… شآم يا نبض الوجد والشعر والحياة انهضي… هاهم أبناؤك من الأجيال السماوية.. أبناؤك البررة أبناء طائر الفينيق يحييون من جديد بك… يجددونك…. يعيدون أصلك…. تنبت بذورك المستعصية على الموت بك… إنهم مبدعوك…. فنانوك… شعرائك… صناعك… أصحاب كل المهن في العالم يتحدّون العدمية وينهضون على وجود سوري لا يفنى ولا ينقضي انقضاء البائدين.
العدد 1182 – 19 -3 -2024