الملحق الثقافي- خالد حاج عثمان:
حنا مينه، روائي سوري ولد في مدينة اللاذقية.. ساهم في تأسيس رابطة الكتاب السوريين واتحاد الكتاب العرب.. ويُعد أحد كبار كتاب الرواية العربية.
حنا مينا أديب البحر والواقعية..
هكذا أرادت الأديبة الروائية والقاصة وعضو اتحاد الكتاب العرب( ملك حاج عبيد) عنونة شهادتها في مينه مضيفة:
لعل الكاتب العربي الوحيد الذي كتب عن البحر وحياة البحارة هو حنا مينه فمن بين مايقرب الأربعين رواية التي كتبها كان للبحر النصيب الأكبر منها منذ روايته الأولى «الشراع والعاصفة « إلى « ثلاثية البحر» فقد عمل في بداية حياته حمالاً في الميناء وبحارًا على مركب فخبر عن قرب حياة البحارة ومغامراتهم.
السمة الثانية في أدب مينه هي الواقعية فمينه ينحدر من عائلة فقيرة لذلك لم يتمكن من متابعة تعليمه واضطرللعمل في سن مبكرة ليعيل نفسه ويساعد أسرته فتنقل بين أعمال مختلفة حمال ..حلاق .. بائع جرائد فاكتسب معرفة بأنماط مختلفة من الناس وجاءت شخصياته واقعية لها وجودها الحقيقي في مجتمع اللاذقية المدينة التي ولد فيها وعاش فيها الشطر الأكبر من حياته قبل أن ينتقل إلى العمل الصحفي في دمشق وقد غطت رواياته مساحة زمنية طويلة بدءًا من الاحتلال الفرنسي لسورية ومقاومته إلى مابعد الاستقلال، وقد ركز في كتاباته على الطبقة المسحوقة فتبنى مطالبهم ووقف إلى جانب نضالهم من أجل حياة كريمة من خلال مطالب حياتية عفوية أو نقابية أو من خلال عمل حزبي كما في « الثلج يأتي من النافذة «.
كما تبدت سيرته الذاتية الجارحة وطفولته المعذبة في»بقايا صور « و»المستنقع « وكان للمرأة دور هام في كتاباته فهي الأم والزوجة والعشيقة والمثال ولعل الليلة التي قضتها الأم في رواية « المستنقع « قبل أن تسلم ابنتها لتعمل خادمة من أجمل المواقف وأكثرها تأثيرًا في السردية العربية.
لقرب مينه من القضايا الحياتية ولاتجاهه الإيديولوجي فقد حظي بجمهور قراء واسع في سورية وفي الوطن العربي وترجمت بعض أعماله إلى الإنجليزية والفرنسية والروسية والإيطالية.
نال مينه جائزة سلطان العويس عن مجمل أعماله وجائزة المجلس الأعلى للآداب والعلوم بدمشق عن روايته الشراع والعاصفة وجائزة المجلس الثقافي لجنوب إيطاليا عن نفس الرواية باعتبارها أفضل عمل مترجم إلى الإيطالية.
– الانحياز إلى الفقراء المعدمين والكادحين..وعنه تتابع الكاتبة (سلمى وديع اسمندر ) شهادتها قائلة يعتبر
الكاتب حنا مينه من أهم القامات الأدبية المعاصرة، حيث تكمن تلك الأهمية في انحيازه الملحوظ لحياة العوز والفقر والمعاناة، التي تلامس قلوب الفقراء من جهة بما يجدونه من تشابه كبير بين حياتهم اليومية ومعاناتهم لتأمين لقمة العيش، وبين مايكتبه الروائي حنا مينه.
ففي روايته « نهاية رجل شجاع « التي كان بطلها مفيد، ذلك الرجل الذي تذوق المعاناة منذ نعومة أظافره، بعد صراعٍ مع طفولته، ومعاناته في السجن، أصبح شخصاً آخر وتركت تلك الحوادث جرحاً واضحاً في نفسه، ولكنها جعلت منه رجلاً يفهم معنى الحياة، فرأى نفسه بعلاقة تربطه مع عمله الجديد صيد الأسماك، ومع زوجته لبيبة، محاولاً استقرار ذاته، لكن صراعه مع نزعة العنف التي تنتشر بداخله كالعفن، أعادته إلى السجن خمس سنوات، واضطر الأطباء لبتر ساقه بسبب السكري، وخرج رجلاً محطماً، مهزوزاً، فانتهى أمره بالانتحار بعد أن تيقّن أنه لا معنى لحياته.
يعبر الكاتب حنا مينه عن معاناة مفيد وغيره من الشخصيات في رواياته، كأنه هو بطلها، إحساس قلمه بالمعاناة يدل على خوضه لاحتكاك مباشر بينه وبين تلك النماذج من القهر والفقر بشكل عام، و احتكاك مع صيادي السمك بشكل خاص.
وعلى الرغم من المعاناة التي شعرت بها خلال قراءة أعماله، إلا أن مشاهدتها تتجسد على مسرح، كان أمراً أكثر تأثيراً، فكان مشروع تخرج طلاب جامعة المنارة السنة الماضية «موج عالي» والذي هو إعداد وتقديم عميد كلية الفنون المسرحية الدكتور سامر عمران يجسد أعمال الكاتب حنا مينه بشخصيات مختلفة، كل واحدة منها تتميز بطبعٍ مختلف، وتسلك طريقاً آخر، إلا أن جميعهم يعانون بطريقةٍ ما، وتشعر بمعاناتهم من خلال لغة الجسد التي تعطي رونقاً خاصاً للنص.
ويكمن احترامي لهذا النوع من الكتابات، التي تقترب من الأفكار التي زرعها والدي بداخلي، فكتاباته كانت مرتبطة بكتابات حنا مينه، وكلاهما اتخذ البحر ملجأ ليفرغ عواطفه السلبية والإيجابية، ليعبر عنها بحالات ومواقف صادفتهم من خلال صداقة البحر والصيادين.
أظن أن أمثال والدي وديع أو الكاتب حنا مينه لا يموتون، فهم يبقون حاضرين من حينٍ إلى آخر في أذهان الصيادين والفقراء، وكلما تهب رياح اللبش، تترحم أمواج البحر على فقدانهم .
– حنا مينه عملاق الرواية السورية…هكذا وصف الطبيب والقاص والناقد د.زهير سعود المحتفى به ثم تابع شهادته بقوله:
شهد عيد الأضحى المبارك في العام /2018 إقفال عيون كاتب روائي عالمي وعربي سوري، ليرتاح صاحبها بعد عمر ناهز التسعة عقود ونصف العقد من الزمن، تاركاً خلفه أكثر من أربعين عملاً روائياً وبضعة دراسات نقدية.. ولما كان من تصنيفاتنا النقدية للأعمال الروائية ما أطلقنا عليه بالأدب «الطبائعي» و»أدب المغامرات» و»الأدب الاجتماعي والواقعي والتاريخي والسياسي والنفسي» فإن غنى تجربة الروائي السوري «حنا مينه» كافية لتشغل كل تلك الجوانب التصنيفية في سرديات الكاتب القصصية، فحنا مينه هو كاتب الكفاح الإنساني والواقعية التي رسمت نهجها الخاص في صيغة الرواية العربية والسورية على وجه الخصوص، وهي رواية تمكنت من إنتاج عالم سردي إبداعي متماسك، أنتج قيماً أخلاقية عليا للإنسان، من خلال رسم بطولاته وعذاباته وكفاحه، في سبيل الحرية والحبّ والعدالة والمساواة.
وإن كانت معجزة العرب القدامى قد تمّ تحديدها بالشعر، فقد أعاضنا تراث حنا مينه من خلال مكتسبات أدبه الروائي عن أشعار العصور القديمة، ذلك بعد أن ساد زمن المنجز الروائي العالمي، فبرزت الرواية بديلاً شرعياً عن الشعر، وحق بعد ذلك لروايات مينه أن تنعت بديوان العرب للعصر الحديث.
عندما أذهب لدراسة أي شخصية إبداعية أولي اهتماماً خاصاً لظروف حياة الشخصية ومصدر اهتمامها وطموحها المعبّر عنه بتصريحات الشخصية حيناً وتلميحاتها حيناً آخر، فالمستنقع الذي غلّف نفسه بعمل روائي (تحوّل لعمل سينمائي أيضاً) هو الحيّ الذي ولد فيه المبدع، وهو حيّ من أحياء «لواء اسكندرون» حيث ترعرع عملاق الرواية السورية، وبدلاً من رحلة استنباط الشخصية التي أرادت رواية حنا مينه تقديمها فقد عثرنا على إقرار الكاتب بقوله: «كاتب الكفاح والفرح الإنسانيين، فالكفاح له فرحهُ، له سعادته، له لذّته القصوى، عندما تعرف أنك تمنح حياتك فداء لحيوات الآخرين…». وقبل الحديث في عظمة بحر حنا مينه وياطره ومدى تأثير هذا الكائن الخرافي على الأدب الطبائعي في حياة رواية مينه فها هو يقول: «كان البحر دائماً مصدر إلهامي، حتى أن معظم أعمالي مبلّلة بمياه موجه الصاخب».. وهل يحق لنا المرور على تحف حنا مينه الخالدة دون ذكر المرأة التي رسم لها في أدبه معاناة كرّستها العلاقات الاستبدادية للإقطاع والرأسمالية، فأبرز كفاحها وتوقها للحرية وعنها قال: «لو خيروني بكتابة شاهد على قبري لقلت لهم اكتبوا هذه العبارة.. المرأة، البحر، وظمأ لم يرتوِ.».. أما عن الفقر وبلاويه ولوعة مأساته التي أظهرتها أحداث روايات الكاتب فقد قال فيه: «كنت أعاني البطالة والغربة والفقر والجوع وأحسد الكلب لأن له مأوى.».
أعمال حنا مينه الأربعون شكلت ذخيرة ثرية للرواية العربية فيما احتضنته مجلداتها، بل وما أنتج للدراما والسينما والمشاهدات البصرية: المصابيح الزرق، الشراع والعاصفة، الياطر، الأبنوسة البيضاء، نهاية رجل شجاع، حكاية بحار، بقايا صور، الشمس في يوم غائم.. والكثير غير ذلك.
حنا مينه..
وإشارات سريعة على بعض رواياته..
الشاعرة( نرجس عمران): تدلي بشهادتها قائلة:
حنَّا مينه هو روائيٌّ سوريٌّ ألّفَ العديد من الرِّوايات والدراسات الأدبيّة.. ومن أعماله:
1. المصابيح الزُّرق: تمثل هذه الرّوايّة أحد أعماله البارزة وتم تحويلها إلى مسلسل سوري.
2. الشِّراع والعاصفة: روايّة أخرى مهمة له، وتم إنتاج فيلم سوري يحمل نفس الاسم عام ٢٠١١.
3. الثلج يأتي من النافذة: روايّة أخرى ألّفها في عام ١٩٦٩.
4. الشَّمس في يوم غائم: رواية أخرى ألّفها حنا مينه وتم تحويلها إلى فيلم سوري.
5. نهاية رجل شجاع وقد تم إنتاج مسلسل سوري يحمل ذات الاسم.
كان يركز حنَّا مينه في أعماله على تصوير البحر والحياة بقربه، وتميزت أعماله بالواقعيّة.. كتب جميع أعماله بالعربيّة وتُرجم بعضها لعدة لغات.. حصدت أعماله جوائز عديدة، بما في ذلك:
١. جائزة سلطان العويس عن مجمل أعماله الأدبية.
٢. جائزة المجلس الأعلى للثَّقافة والآداب والعلوم بدمشق: نالها عن روايته «الشِّراع والعاصفة».
٣. جائزة المجلس الثَّقافي لجنوب إيطاليا: حصلت على أفضل رواية ترجمت إلى الإيطالية عن روايته «الشّراع والعاصفة» في عام ١٩٩٣.
حنَّا مينه كان له دور كبير في تطوير الأدب العربي، ورواياته تتميز بالواقعية والتفاصيل الاجتماعية.. إنَّه رائدٌ في مجال الرِّواية وتراث أدبنا العربي.
بالطبع! حنَّا مينه، الروائي السُّوري، قد نال إعجاب العديد من الشَّخصيات البَّارزة في العالم العربي وهنا بعض الاقتباسات والمدح التي قيلت فيه :
1. الشَّاعر نزار قباني: قال عن حنَّا مينه: «حنا مينه هو الروائيّ الذي يكتب بالعربية الفصحى بأسلوب سهل وجذاب، ويحكي قصصًا تلامس قلوب القرّاء» .
2. الأديب طه حسين: أشاد برواية «الشِّراع والعاصفة» لحنا مينه، واعتبرها من أهم الروايات العربية المعاصرة .
3. الأديب غسان كنفاني: أثنى على أسلوب حنَّا مينه في الكتابة وقال: «رواياته تأخذك إلى عالم آخر، وتجعلك تعيش مع شخصياته وتشعر بمشاعرهم».
العدد 1183 – 26 -3 -2024