الثورة – صبا أحمد يوسف:
تستمر الإشكالية بين الناس حول مفهوم السعادة، بدءاً من مفهوم أفلاطون بأنها اتباع الفضيلة، إلى نظرة الكثير من شباب اليوم بأنها تكمن في امتلاك المال.. وبين المفهومين يبقى السؤال في كيفية الوصول إليها لطالما الحياة الإنسانية مستمرة، وهل هي تلبية للحاجات المادية أم امتلاك الجوانب المعنوية، أم هذا وذاك.
السعادة شعور يفقده أو يحسه الكثير منا في حياتهم الإنسانية، فالبعض هم سعداء ولكن لا يعلمون تلك السعادة أهي بسيطة أو معقدة؟ ربما لأن البعض لا يعرف أو يعلم ما الذي يسعده وربما أضعنا البوصلة كون الحياة المحيطة بطبيعتنا تجلب الحزن والتعب والألم تلقائياً، ولكن علينا نحن أن نخلق الفرح والبهجة التي تخفف واقع الحياة الصعب.
دراسات علمية
ومفهوم السعادة اختلف عليه حتى الفلاسفة عبر الزمن وأجريت عليه دراسات علمية كثيرة فحسب أرسطو: السعادة هبة من الله.. فيما يرى علماء النفس أن الإنسان يمكنه اختيار السعادة لحياته عن طريق إحباط المشاعر السلبية وتعزيز الإيجابية.
تقول حكمة قديمة: السعادة أنت من تزرعها في نفسك ولن تهبط عليك من السماء.
وجاء في تعريف السعادة أنها شعور نسبي يختلف باختلاف قدرات وإمكانيات ودوافع الفرد باعتبارها ترتبط بالرضا والشعور بالارتياح وراحة البال للبشر بشكل عام.
وبتعريف آخر: السعادة هي ذلك الشعور الداخلي بالبهجة والسرور الذي ينعكس على الحالة النفسية والمزاجية للشخص مما يجعله ينظر بشكل إيجابي للحياة.
هذا ما يخص العالم الداخلي للأفراد ولكن هناك خارج عالمهم، هذا عالم آخر صاخب يعج بالصراعات والحروب قد يؤثر بشكل مباشر على عالمهم الخاص المفرح.
ويرى علماء المسلمين أن السعادة حالة من التوازن بين ما يتطلبه الجسم والروح حيث تشمل مرحلتين دنيوية وأخروية، التي تقاس بمدى صلاح حياة الفرد والرضا العام عن الحياة وتحقيق الأهداف وبالتالي مفهوم السعادة المرتبط بالرضا والراحة والشعور بالفرح يختلف من فرد لآخر ومن مجتمع لآخر.
في الحقيقة قد تكون السعادة أبسط مما نعتقد.. قد تكمن في ضحكة طفل أو التجول بالطبيعة، وامتلاك الصحة والعافية، وفي الأسرة والروابط المشتركة بين أفرادها، فالأسرة بحد ذاتها تجلب السعادة وتكون بالتعاطف والرحمة والمعروف، حيث الحياة فيها الألم نعيشه تلقائياً وعلينا خلق الفرح واتباع السلوك السوي والسليم وتعزيز ثقتنا بأنفسنا، فالتحلي بالرضا طريق للسعادة، الرضا عن شكلنا أو مجتمعنا وماضينا وحاضرنا ومستقبلنا وتقبل واقعنا، مع الاستمرارية بالعمل للتغيير لشيء أفضل بالرغم من عالمنا الخارجي الصاخب الذي يؤثر حتماً على عالمنا الخاص المرتبط بسعادتنا.
المتعة والسعادة
السعادة لدى البعض ما يحصل عليه في الدنيا من لهو وفرح مؤقت فعندما لا يستطيع الإنسان منع نفسه من القيام بأعمال ترفضها روحه وقلبه ولا يمتلك الإرادة للتحكم بالنفس لتنظيم النوازع والملذات هذه متعة، ولكن بالإرادة والقدرة على التحكم بالنفس تكون السعادة.
تقع بالقلب
السعادة ببساطة، تقع بالقلب وهي أبسط مما نعتقد، إنها كل ما يحصل بحياتنا ولو لحظة تشعرنا بالفرح والسرور.
المال والسعادة
أغلب البشر ترتبط سعادتهم بالمال فهو من يجلب السعادة لهم، على الرغم من تأكيد العديد من الدراسات الحديثة أن السعادة المقترنة بالمال لا تستمر طويلاً، وأن المال وحده لا يمكن أن يوفر سعادة دائمة، فالسعادة لا تشترى بالمال ولكنه يقلل الشعور بالتعاسة والحزن فالمال يقدم شي من السعادة ولكنها تبقى ناقصة بلا جو عائلي صحي.
بحسب دراسة استمرت 38 عاماً من قبل جامعة هارفرد الأمريكية توصلت إلى أن المال لا يجلب السعادة.. فقد شملت الدراسة عددا كبيرا من ميسوري الحال وبعض المشاهير من عالم السينما، إذ أكدوا أن المال لا يجلب السعادة بل هو مهم ولكن السعادة هي شعور وإحساس ينبع من القلب والإيمان بالله يجلب لنا السعادة الروحية.. وهنا نلحظ أن أغلب الدراسات الغربية أكدت أن العلاقات الاجتماعية والقناعة والرضا والامتنان ومساعدة الآخرين كلها تجلب السعادة.
وبرأي الفيلسوف والمؤرخ وعالم المنطق البريطاني برتراند راسل أن: (السعادة تأتي عندما تهيئ لها موقع في قلبك).
آراء..
وحين توجهنا بسؤالنا عن السعادة لعدد من الناس من مختلف الأعمار ما الذي يسعدهم؟ كانت الآراء على الشكل التالي:
ترى غادة- 20 عاماً- أن العائلة هي من تمنحها القوة والدعم والأمل بمستقبل رائع ولا شيء ممكن أن يقدم لها ما تقدمه أسرتها من حب ودعم وسعادة.
بينما منذر- 55 عاماً- يرى أن السعادة تكمن في رؤية أفراد أسرته بصحة جيدة وبتحقيق أولاده النجاح في دراستهم وعملهم، وفي ضحكة زوجته ورؤيتها تحقق ما تصبو إليه في منزلها وعملها، وفي رضا والديه وقدرته على مساعدة الآخرين وسماع شخص يقول له رحم الله والديك ووفقك وأدام الصحة والسعادة في حياتك.
أما السيدة ليال- 40 عاماً- تجد السعادة بأطفالها وضحكاتهم وبقدر ما تراهم سعداء وبصحة تامة تجد نفسها أسعد إنسانة في الكون.
بدوره حازم- 28 عاماً- يرى أن هناك أشياء كثيرة نمتلكها ولكننا لا نعلم قيمتها قد تكون هي مصدر سعادتنا إذا أحسنا الاستفادة منها بما يخدمنا جيداً.
محمد- 60 عاماً- يرى أن السعادة والتحكم بالعقل أي بقدر ما يكون الإنسان حكيماً بنظرته وتصرفاته وآرائه يجلب السعادة لنفسه ولغيره، فالعقل والحكمة مصدر سعادته الحقيقة.
وهناك عشرات الإجابات كانت حول سعادتهم أن يعيشون في بلد آمن دون حروب والسلام والأمان هو السعادة لقلوبهم وحياتهم.
أبو سعيد- 70 عاماً- تكمن سعادته بأن يعيش هو وأسرته وأحفاده ببلد من دون حروب، وقناعته بما قسمه الله له وأن يقضي وقتاً ممتعاً ومفيداً مع أصدقائه المخلصين المحبين.
السيدة عفراء- 60 عاماً- تقول: إن سعادتها الحقيقة بالتقرب من الله عز وجل وعندما تشعر بالرضا عن نفسها ومحاولتها الدائمة تحقيق التوازن بين سعادتها بالدنيا التي توصلها للسعادة المرجوة بالآخرة.
أبو عدنان- 45 عاماً- يقول: السعادة هي الصحة والعافية وبوجود أسرته وأهله بجانبه بخير هي قيمة سعادته، وهذا ما اكتشفه بعد إصابته بمرض مزمن، فلا شيء أهم من الصحة والعافية حتى المال الكثير لا يعيدها كما كانت.
رولا- 30 عاماً: سعادتي هي في تحقيق أهدافي في الحياة والوصل إلى طموحاتي العلمية التي توصلني إلى راحة نفسي والعيش الكريم في النهاية.
محمود- 26 عاماً: سعادتي تكمن في بوجود أهلي في حياتي وأن تكون حبيبتي بخير، وأن أرى البسمة على وجوههم جميعاً، إضافة إلى راحة البال ورضا الوالدين وامتلاك عمل يحقق لي العيش الكريم.
مؤيد- 20 عاماً- يقول: إن المال يحقق له السعادة ولكنه يبقى ناقصاً من دون الحب بحياته وأسرته وأصدقائه.
في مجمل ما سبق من أراء يمكن القول ببساطة.. السعادة تكمن في الرضا، وفي تحقيق فلسفة.. قل دائماً نعم لعالمك ولظروفك مع السعي لتغيرها نحو الأفضل فلا شيء يدوم على وجه البسيطة.. لنتحلى بالقناعة وإعطاء معان إيجابية لحياتنا من خلال الكثير من التواصل مع الآخرين والتفاؤل بأن ما هو قادم أجمل.. فقد تكمن السعادة في ابتسامة في وجه الآخر.. فلنبتسم لعالمنا وظروفنا.