الثورة – قراءة عبد الحميد غانم:
لأنها حرب مختلفة يشهدها عالمنا، في الشكل والأدوات والأهداف، تختلف عما سميت في القرن الماضي الحربين العالميتين الأولى والثاني، اللتين أسفرتا عن تشكل نظام عالمي جديد مختلف عما سبقه، وها هي الحرب العالمية ضد سورية، تشهد المرحلة الراهنة ولادة نظام عالمي جديد يختلف علاقاته الجيوسياسية عما كان عليه قبل هذه الحرب.
لكن شن حرب كونية ضد بلد – كان في اعتقاد مشغليها – أنه لن يتحمل شهراً أو حتى أسبوعاً ، وينتهي الأمر.
لذلك استحوذت الحرب وتداعياتها وتفاعلاتها الجيو سياسية وآثارها الاقتصادية، وما نجم عنه من حروب ومنافسات وصراعات دولية في منطقتنا ومناطق أخرى من عالمنا، اهتمام الباحثين والمحللين السياسيين، واستنفرت أقلام الكتاب لتأريخ المرحلة وتوثيقها ودراسة مفاعيلها على الواقع والمستقبل.
وكان من الطبيعي أن يصدر كتاب أو مؤلف بحثي يرصد تلك الحرب وتداعياتها، يغذي المكتبة العربية والأجنبية بمصادر حول هذه الحرب.
لكن الشيء المميز الذي حظيت به المكتبة العربية هو أن يعمل اتحاد الكتاب العرب على ترجمة كتاب ” الحرب العالمية على سورية، هل انتهت اللعبة؟ ” الذي صدر باللغة الفرنسية في باريس عام 2023 بإشراف “ميشيل رامبو” و”فيصل جلول”، وصدر باللغة العربية في شباط 2024 ترجمة محمد الدنيا وزبيدة القاضي.
يضم الكتاب بين دفتيه، مشاركات 16 كاتباً وكاتبة من مختلف الجنسيات والأطياف والتوجهات، التزامهم المشترك الوحيد هو الدفاع عن قضية الدولة السورية الشرعية ضد كل التعديات الأجنبية.
يستحضر الكتاب التطور الملحوظ الذي طرأ على الحالة السورية، فبعد الانتصارات العسكرية والسياسية التي حققتها سورية وحلفاؤها من خلال مقاومة وصمود الجيش والشعب نشأت حرب هجينة حالية فُرضت على شكل عقوبات وإجراءات غير قانونية، لكن يبدو أن النهاية مرتبطة أيضاً بالتطورات الجيوسياسية الجارية (في أوكرانيا وفي فلسطين والعالم) في أعقاب التحول العالمي الكبير لصالح المعسكر الأوراسي، والذي تسارع بشكل حاد في ربيع عام 2023، مما أثر على جميع القارات، بما في ذلك الدول العربية.
الأمر الهام في الكتاب أنه يعكس آراء ورؤى كتاب غربيين أحرار، يسعون إلى توضيح الحقائق حول اللغط والإدعاءات الكاذبة والأضاليل التي سوقتها حكومات الغرب بزعامة الإدارة الأميركية لجر العالم الغربي والعالم عموماً إلى كارثة جديدة بعد كارثة العراق وأفغانستان، وكشف زيف تلك الإدعاءات.
ونسجل هنا خطوة دار النشر الفرنسية “ديلغا” الشجاعة بطباعة ونشر الكتاب، التي استطاعت أن تتحدى القيود الغربية بتحييد الرأي العام الشعبي والسياسي الغربي عن التواصل مع مفاعيل هذه الحرب، وتصدر هذه النتاجات الفكرية الحرة الصادقة لتوضيحها في الساحة السياسية والثقافية الغربية كي تكن وثيقة إدانة لسياسات حكوماتهم التي جندت الأموال والسياسة والإعلام وكل الإمكانات العسكرية والأمنية في خدمة الإرهابيين الذين أرادوا تمزيق سورية وتدميرها.
شارك في هذا الكتاب كل من: ناديا خوست (دروس عشر سنوات من الحرب ضد سورية)، جاك شوميناد وأوديل موجون شوميناد (سورية مرآتنا)، سونيا خانجي قشيشو (المرأة السورية في الحرب: شهادة وثناء)، ثريا عاصي (سورية، هذا المجهول الذي لا يتوقف عن مفاجأتنا)، الجنرال الياس فرحات (المسار العسكري للأزمة السورية)، عقيل سعيد محفوض (رياح الشمال، تركيا والحرب السورية)، ماجد نعمة (سورية في مواجهة “اسرائيل” .. فلسطين قلب سورية النابض)، أحمد بن سعدة (سورية: مقدمة ملونة لحرب دموية)، جيرار بابت (بعد عشر سنوات: أنُخطئ إلى هذا الحد بخصوص الملف السوري؟)، ليسلي فارين (سورية ساعة الحساب)، رولا زين (معرفة الماضي لفهم الحاضر)، رينيه نابا (فرنسا في مقابل سورية)، فيصل جلول (روسيا وإيران وحزب الله في الصراع السوري)، برونو غيغ (سورية والصين)، آلان كورفيز (مقاومة سورية ذات السيادة هي مثال للشعوب والأمم الحرة في جميع أنحاء العالم)، ميشيل رامبو (العدوان العالمي، هل انتهت اللعبة؟).
وإذا شكل موضوع الحرب العالمية على سورية طبيعة تجعله يتوافق وفق عمل مشترك فهذه الحرب العدوانية الشاملة على سورية تندرج ضمن مخطط تنفذه الإمبراطورية الأمريكية منذ العام 1991 لبسط هيمنتها على العالم، في حين تقدَّم عموماً في الغرب على أنها معركة طبيعية من أجل الديمقراطية أو تصوَّر على أنها حرب أهلية.
إنها منذ أكثر من اثني عشر عاماً حرب الصورة والاتصالات، مرحلة حاسمة في المواجهة الجيوبوليتيكية الجارية بين الغرب والمنطقة الأوراسية.
فكرة المؤلَّف المشترك باللغة الفرنسية، الذي يجتمع فيه مؤلفون مختلفون، فرنسيون ولبنانيون وسوريون، هي فكرة ذات قيمة كبيرة تضاف إلى معالجة الموضوع.
التزامهم المشترك الوحيد هو الدفاع عن قضية الدولة السورية الشرعية في مواجهة التعديات الخارجية كلها.
لم تنته اللعبة ولكن يتوقع لها ان تنتهي بانتهاء الاحداث الجارية في العالم وهي الحرب على غزة والحرب في اوكرانيا والانتخابات الأمريكية العام الجاري وما ستسفر عنه هذه الأحداث الثلاث يشكل منعطفً يؤسس لانتهاء الحرب على سورية.