الثورة – هلال عون:
ليس صعباً أبداً إدراك أن الغالبية العظمى من المواطنين العرب يحلمون بتحقيق الوحدة العربية، باستثناء البعض ممن يخشون على امتيازاتهم، وقد غذّت بعض الجهات الغربية والعربية والإعلام المدعوم من الغرب التوجّه الذي يعرقل الحديث عن الوحدة ورسّخته، وسفّهت رموز القومية العربية و المؤمنين بها، وأطلقت عليهم لقب “القومجيين” وروجتها كثيراً في بعض قنوات الفتنة، وكذلك ما تقول عنهم تلك القنوات “أصحاب الشعارات الفارغة”.
يبدو جلياً الجهد الخبيث الذي تبذله دوائر المخابرات والسياسة والإعلام المعادية للوحدة العربية من خلال ضرب وتشويه صورة رموز القومية العربية كالرئيسين الراحلين عبد الناصر وحافظ الأسد ،
وللأسف الشديد لقد نجحوا إلى حدّ كبير في ذلك ، فأصبح السادات مثلاً المفرّط بالحق العربي، والذي قزّم دور مصر وجعلها حارساً لحدود الكيان وسجّاناً لأهل غزة بفلسطين، جعلوا منه ذكياً وواقعياً وقدوة لأنه طبّع مع الكيان المحتل، بينما جعلوا من عبد الناصر سبب مشاكل الأمة العربية، وهو الذي بنى السد العالي وأمم قناة السويس وانتصر بحرب العام ١٩٥٦ ونهض بالزراعة والصناعة والتعليم ووحد مشاعر العرب واعتبر تحرير الإنسان العربي والأرض العربية أولوية.
وقد رأى العالم في مشهد مؤلم للأحرار على الأقل كيف تم – في بداية ما أسموه بالربيع العربي – ضرب تمثال الزعيم العربي حافظ الأسد أمام الكاميرات وصيحات التكبير، وهو الزعيم الوحيد الذي بادر بشن الحرب على الكيان واستعاد جزءاً من الأرض العربية ، و دعم الخط المقاوم وكان يشكل هاجساً للكيان المحتل بشهادة الأعداء قبل الأصدقاء.
معروف للجميع أن العالم العربي قبل اتفاقية “سايكس بيكو” التي قسّمته إلى كيانات وأقطار كان عالما موحداً، على الأقل منذ نجاح الرسول العربي محمد بن عبدالله (ص) في توحيد القبائل العربية وتأسيس أركان الدولة العربية الواحدة، وقد استمر خلفاؤه بعده بذلك بدليل تسمية الوُلاة لإدارة شؤون الأقطار العربية الحالية التابعة للدولة المركزية .
وربما من المفيد التذكير بأن الاستعمار الأجنبي ، منذ المغول وحتى الاستعمار الغربي الفرنسي والبريطاني والإيطالي، والأمريكي حالياً، وإن بطريقة مختلفة ينظرون إلى العالم العربي على أنه كيان واحد يجب تمزيقه للسيطرة على مقدراته، وهذا ما نجحوا في تحقيقه بمساعدة العملاء والخونة بين ظهرانينا.
لذلك يمكن القول ببساطة أن الوحدة الوجدانية والفكرية والثقافية العربية ليست اختراعاً من حزب ما أو شخصية فكرية أو سياسية ما، بل هي موجودة شاء من شاء وأبى من أبى، وتؤثر في تجسيد هذه الوحدة عوامل متعددة سلباً وإيجاباً، منها الذاتي، ومنها الموضوعي، وهذا ما يجب التركيز عليه من قبل المفكرين ومراكز البحوث والدراسات لتعزيز الإيجابي ومواجهة السلبي.
ويمكن الحديث بالعناوين العريضة عن تلك العوامل من وجهة نظري، كما يلي:
– الثقافة: لا شك أن الثقافة الهادفة، المسؤولة والمنبعثة من صميم الشخصية العربية هي عامل مؤثر، وتحت رايتها تأتي جميع الفنون والآداب، فالمتنبي بعنفوانه وحكمته هو للعرب جميعاً، وأبو فراس الحمداني برقته وأنفته هو أيضاً للعرب جميعاً، ونزار قباني بغزله (السهل الممتنع) الجميل والهادف إلى تحرير المرأة من العبودية هو ملك للعرب جميعا أيضا باستثناء المتخلفين من أعداء حقوق المرأة، وكذلك حنا مينه والماغوط وميخائيل نعيمة وجيران خليل جبران.. الخ، وأيضا الرحابنة وأم كلثوم وصباح فخري و لطفي بوشناق وفريد الأطرش وبليغ حمدي وعبد الحليم حافظ ونجاة الصغيرة ووردة الجزائرية هم ملك للعرب جميعاً، ويعيشون في وجدانهم، وكذلك عادل و دريد لحام لإلى آخر قائمة الفنانين المميزين.
يُفترض بالإرث الثقافي أن يخلق وحدة وجدانية وفكرية واجتماعية بين أبناء اللغة الواحدة، لذلك يسعى أعداء الوحدة العربية في الغرب وعملاؤهم من أبناء جلدتنا على تمييع إرثنا الثقافي والسياسي والنضالي وتشويه صورة رموزه واستبدالها بكركوزات خلقتها المهرجانات والفضائيات لتكون بعض المغنيات قدوة للفتيات العربيات، وأكثر نجومية من د.سعاد الصباح وجميلة بو حيرد..الخ.
الواقع يقول إن معظم الشعب العربي يعيش الوحدة في وجدانه وفي عقله، لكن، للأسف لم يستطع أحد حتى الآن أن يجسد الوحدة في كيان سياسي واحد، وهذا لا ينتقص من مكانة زعيمٓين عروبيّٓين عظيمٓين ومخلصٓين حاولا تحقيقها، لكن قوة الأعداء وكثرة العملاء من السفهاء حالت دون ذلك فنجحا في تحقيق التضامن العربي بحدود مقبولة، وقد تجلّى ذلك في حرب تشرين عام ١٩٧٣.
والسؤال الذي يجب أن تنصبّ عليه جهود المفكرين هو: ما هو شكل الوحدة التي يمكن تحقيقها؟ وما هي العوائق التي تحول دون تحقيق الوحدة العربية وكيف يمكن إزالتها؟.