أ. د. جورج جبور:
لا أدري لماذا تم تحديد موعد القمة العربية الجديدة في 16 أيار 2024 في البحرين قبل موعدها التقليدي بأسابيع، لكن مع ذلك فالموعد ذو دلالة.
هل كان من الأنسب عقد القمة في موعدها التقليدي أواخر آذار في شهر رمضان المبارك؟ في موعد قبل نهاية الشهر الذي اعترف بأهميته قرار مجلس الأمن القاضي بوقف إطلاق النار في غزة؟
نعم، هكذا انطباعي، وفي كل حال قضي الأمر ونحن معاً في قمة 16 أيار 2024.
حين يحضر الكلام عن مستقبل “إسرائيل” ترد الإشارة إلى 15 أيار 1948 حين أعلن إنشاء الكيان، كأن موعد 16 أيار أتى تسهيلاً لعد السنوات، وهل ستبلغ “إسرائيل” سنوات عمرها الثمانين عام 2028؟
ذلك سؤال شغل كثيرين وما يزال يعطي التاريخ شرعية إضافية للسؤال ولاسيما أننا في تجربة كيان استيطاني عجيب،
نسج خيوط بيته من أسطورة هنا ومن تفسير نص قديم حمال أوجه هناك، أكتفي بهذا القدر من حديث الرموز.
آتي إلى ما أراه فخر المؤتمر، وقفة المؤتمر مع شموخ فلسطين، ولنقل أنه في أعقاب 7 تشرين الأول 2023 شهدنا وحشية “إسرائيل” إزاء ملايين الفلسطينيين في القطاع والضفة، وحشية طالت مباشرة بأدوات القتل أكثر من مائة ألف من البشر، بين قتيل وجريح.
يستطيع البعض في الغرب والشرق لوم المقاومة على الثمن الباهظ، لكننا بالمقابل نستطيع أن نفخر بشجاعتها وتضحياتها، خاضت أطول المجابهات الدموية مع الصهاينة وأعمقها خسارة قتالية من الطرفين كما أحسب وعلي التدقيق، وكانت نتيجة كل ذلك أن “إسرائيل” اليوم تجابه فعلياً ويومياً سؤال المستقبل على نحو أعمق مما جابهته على مدى 75 عاماً.
هل سيجسد مؤتمر القمة هذا الفخر؟ الإجابة المستحبة ستكون أوضح إذا شهدنا مزيداً من وحدة الموقف الفلسطيني ونعلم أن كل فلسطيني مقاوم ولو تنوعت أساليب المقاومة.
تلهب المقاومة الخيال ويحلو التحليق، هل نشهد القادة العرب يقفون احتراماً حين يدخل إلى القاعة الفخمة ذلك القادم من نفق؟
أما في جوهر عمل القمة فما فعلته غزة، ولنكن واقعيين, لن يعود بنا فوراً إلى لاءات الخرطوم والخرطوم نفسها تعاني، ولن تعود بنا إلى قمة بغداد 1978 ولا إلى قرارات وزراء الخارجية في آذار1979.
نعلم ما جرى في أيار 1989، وبعض منا دفع ثمنه، إلا أن قمة 16 أيار 2024 القادمة قريباً تستطيع أن تبطل بعض ما جرى منذ نهاية عام 2016 وصدور قرار مجلس الأمن 2334، ذلك القرار سابقة، قرار وقف إطلاق النار، هو أول الاستنكافين اللذين أشعرا أمريكا بأنها لن تستطيع الاستمرار إلى الأبد في تأييد الباطل.
أمام قمة البحرين أن تؤثر في انتخابات الرئاسة الأمريكية مزيلة من يحاول إدخال إبراهيم في شعاب الجولان وخضم البحار، بل ومتوغلة لتعيد أملا راود ذات يوم الرئيس عبد الناصر في إقامة علاقة جادة مع أمريكا الرئيس المقتول غيلة وإرهاباً وتآمراً سرياً واسمه جون كندي.
هل حملت قمة البحرين مسؤولية ثقيلة وطالبت قادة عرباً بالمستحيل؟ نعم ولا، نعم إن نظرنا إلى سنوات عجاف سابقات، ولا إن نظرنا إلى خصوبة ما أنتجته غزة في الصعيد الدولي.. غزة بشجاعتها تساعد إلى حد كبير في بناء عالم توازن دولي جديد اقل ظلما من النظام القائم.
من قمة البحرين تدخل غزة كلمة ناطقة مسموعة في قاموس السياسة الدولية.
* رئيس الرابطة العربية للقانون الدولي قيد التأسيس