أي أحكام قطعية تلك التي نصدرها وكأننا امتلكنا المعرفة الكاملة وحزنا معارف الأقدمين والأحدثين وعرفنا تفاصيل وأبعاد كل حدث أو علاقة، وحللنا جميع المعادلات الصعبة والتداخلات الخارجية والداخلية وحتى الجانبية منها!
تلك الحال المتابعة في حوارات بين (( منظرين ومثقفين وخبراء)) لا تحمل تعبيرات يمكن أن تشير إلى احتمالات في الرؤية أبداً، فهي تصر على استخدام صيغة الجزم والقطع في إصدار الحكم اعتماداً على حادثة طارئة أو مستجدة وربما اعتماداً على فهم ((ثابت ومبدئي أو خشبي متخلف)) لا يرى لدى غيره إلا النواقص والسلبيات ، وحتى الخصومة والعداوة والاختلاف الكامل.
فعلى امتداد الشهور الأخيرة شهدت صفحات التواصل الاجتماعي معارك دونكيشوتية مثيرة للاهتمام والشفقة في آن واحد، فعلى الرغم من أهمية الحوادث والموضوعات المثارة ، فقد كان تناولها مبنياً على مواقف لا تستند إلى الحدث وأهميته ، وإنما تصفية لحسابات شخصية سابقة ، أو مواقف حادة من تلك الحادثة وربطها بقضية كبرى، قد تكون مصيرية أو وطنية، وتحميل الحدث أوزار ومشكلات وأسباب عدم تحقيق الأهداف المرجوة في تلك القضايا الكبرى، وبلغ السجال في بعض الحالات عدم القبول بطرح فكرة ما (( ليس من الضروري صوابيتها )) تخالف السياق النمطي، باعتبارها خروجاً عن المعتاد وجنوحاً خارج السياق السلوكي، وتأتي ضمن نظرية التبعية الآبائية التي تعتمد (( إنا وجدنا آباءنا على صيغة، وإنا على خطواتهم سائرون)) .
والغريب في تلك السجالات ادعاء أصحابها اعتمادهم العلم والمنطق والقانون والحقائق والثوابت في إصدار أحكامهم القطعية مسلحين بادعاء امتلاك تاريخ طويل يعطيهم الحق في المواجهة القائمة.
والغريب أن المراقبين، وهم الجمهور الأوسع، وأنا ربما كنت أحدهم، لا نعرف إلى إي طرف ننحاز في ظل الإيمان بدعوات أحدٍ الطرفين، وعدم القبول بادعاءات الطرف الآخر، ونحن ننظر ونتابع حجم الحملة الإعلامية المثارة، مثل زوبعة كاذبة ليس بالضرورة أن تعني موقف المراقبين الذين لا يجدون الدافع للخوض في حروب غيرهم، ممن يحملون القضايا الكبرى شعارات لتصفية حسابات أو الدخول في مرحلة نكوص فكري في وقت ضاعت فيه النظريات وتداخلت المفاهيم واتسعت دائرة الانتشار وسيطرت حملات إعلامية على مشهد واسع دون أن تعكس صورة الواقع الحقيقية.!!
التالي