وقعت على مجلد قديم يحوي أعداداً مطبوعة من مجلة المصور المصرية التابعة لدار الهلال التي أنشأها جورجي زيدان عام ١٨٩٢ ، والأعداد في المجلد تعود لبداية العقد السادس من القرن العشرين ، وتحديداً لعام ١٩٥١ أي ما قبل قيام ثورة تموز في مصر ، وكان يشرف على تحرير المصور آنذاك الأخوان إميل زيدان وشكري زيدان ، وتمتد محتويات المجلد لشهر نيسان ١٩٦٠ وفي تغطية لزيارة جمال عبد الناصر للهند حيث حمل العدد صورة الزعيم العربي وهو يعتمر غطاء الفلاحين الهنود على رأسه.
تلك الأعداد الممتدة لعشر سنوات تحمل صورة لتاريخ شهد تغيرات إقليمية كبيرة في مصر وغيرها من البلدان العربية والعالم ، وهي تقدم شريطاً موصوفاً لمتغيرات يومية في تلك البلدان وما رافقها من تغيرات سياسية وثقافية واقتصادية واجتماعية وفنية ، فضلاً عن الإعلانات التجارية التي تقدم نموذجاً لأسلوب العيش والسلوك الاستهلاكي للناس في تلك الفترة.، وبالتالي تظهر التبدلات والتطور الذي طرأ على حياة الناس في ظل المتغيرات الدولية والإقليمية، وذاك الأمر الطبيعي في الحياة العامة، إذ ان الصحافة تغطي مختلف النشاطات والأخبار السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، فهذا توفيق الحكيم يتحدث إلى الطالبة البولندية ((كريستينا سارجنسكا)) في حزيران ١٩٥٨ عن الأدب (( المودرن)) الحديث وعن أبنائه الذين سافروا ولم يعودوا، وعن لحيته التي توفر له خمسين قرشاً،، وعن قصص طويلة أخرى.. ليساعدها في أطروحة الدكتوراه التي تعدها عن الأدب العربي في مصر ، وهي هنا تشير لملاحظة فيها الكثير من الدعابة، وهي أن توفيق الحكيم عزم عليها بشرب القهوة فرفضت من باب الدلال، وهو لم يشأ أن تحس بالغربة فقنع بالرفض، وهو المعروف بين الأدباء بشدة بخله.
ولعل العناوين الرئيسية للأعداد تعيد المراجع لثقافة تلك الأيام ، كأن نقرأ (( في أسبوع واحد، حقق العراق أمانيه)) وذلك في وصف الانقلاب العسكري الذي قاده الزعيم عبد الكريم قاسم على الحكم الملكي وإسقاطه، ويزيد الوصف تلك الحال بالقول عنه إنه قاد ثورة الجيش باسم الشعب، فحرر العراق وحطم الاستعمار وأعوانه.
وفي تقليب صفحات الأعداد القديمة وقد أصابها الاصفرار ينتقل القارئ من موقع لآخر ، ويسقط الحدث القديم على راهن الأيام، فيبتسم حيناً ويحزن حيناً آخر ويضحك في سره على تبدلات الأيام ويرثي أو يتحسر على أيام ما قبل الحداثة وسيطرة عصر السرعة في الحركة والاتصالات والأجهزة الرقمية ودخول مرحلة الذكاء الاصطناعي وما وافقها من متغيرات في سلوك الأفراد وفي معتقداتهم.
التالي