أكثر من حجارة

يهوى المزاج الغربي «تدمر» لخصوصيتها المشرقية التي تداعب خيالاً (استشراقياً) تم صنعه بعناية، ويقال أن اسمها الأجنبي (بالميرا) مستوحى من النخيل المنتشر بوفرة في واحتها الخصبة، وتجيء حكاية ملكتها الأسطورية «الزباء- زنوبيا»، (أو:«بتزباي» باللغة التدمرية) ومسعاها البطولي لحفظ بلدها وحروبها التي خاضتها لأجل ذلك مع الإمبراطور الروماني «أورليان»، تأتي لتستكمل هذا الهوى الغربي بالحاضرة الشرقية، تعبر عنه الكثير من الكتب واللوحات والمؤلفات الموسيقية.
ووصف «تدمر» بالمدينة العالمية عائد إلى الدور الذي أدته في العالم القديم، وإلى أهميتها الثقافية في عالمنا الراهن.
فقد كانت بحكم موقعها الجغرافي نقطة اتصال بين الشرق الآسيوي، والغرب الأوروبي، وواسطة عقد «طريق الحرير»، شريان التجارة العالمية قبل ألفي سنة، وعبر هذا الشريان لم تنتقل فقط السلع بين طرفي العالم القديم، وإنما انتقلت أيضاً الثقافات على اتساع مفاهيمها موفرة للبشر فرصاً، طالما أهدروها، للارتقاء في علاقاتهم إلى ما يليق بالنوع الأرقى من الكائنات الحية، لكن الانسياق وراء الغرائز الهمجية قد أخذ بالأحداث في اتجاه مغاير.
أطاح بالكثير من الإنجازات الحضارية للبشرية، ومنها «تدمر» ذاتها..
وإذا كان تاريخ «تدمر» الحديث يحفل بأسماء علماء آثار غربيين شغفوا بها وبحضارتها، وسعوا لإنصافها من خلال نشر ما أنبأتهم به تنقيباتهم الأثرية فيها، فإن الكثير من الغربيين (ومنهم مؤرخون وآثاريون) قد سعوا إلى تشويه الواقع والتقليل من شأن المدينة وواقعها الحضاري، وإبداعات أبنائها، بحيث جعلوها وكأنها وليدة الإمبراطورية الرومانية، مع أن الرومان دخلوا إلى سورية عام 63 قبل الميلاد، في حين أن اسم «تدمر» ورد في إحدى الرقم الأشورية مطلع الألف الثاني قبل الميلاد.
عدا أن المفاهيم الاجتماعية – الدينية التي سادت المملكة التدمرية تختلف كثيراً عن تلك التي كانت سائدة في «روما»، وأهمها ما يتعلق بالحرية الدينية، ففي مدينة «دورا أوربس» التي كانت تعد بمثابة مرفأ «تدمر» على الفرات قام معبد يهودي (نقل إلى المتحف الوطني بدمشق)، ومن ثم كنيسة مسيحية (موجودة حالياً في جامعة “يال Yale” في الولايات المتحدة)، مع أن مملكة تدمر لم تكن تدين بأي من هذين الدينين.
وإلى جانب التعتيم على (الرحابة الدينية) في هذه الحاضرة السورية، أظهرت كثير من المواد الإعلامية مسعىً واضحاً للتقليل من خصوصيتها الإبداعية المحلية، فتم التأكيد على الأصول الإغريقية (والرومانية) للعمارة التدمرية، وغيب الحديث، أو كاد، عن العمارة الجنائزية بنموذجيها البرجي والتحت أرضي، والتي هي حالة تدمرية خاصة، كذلك تمّ بخس أهمية فن النحت التدمري الذي يمتلك فرادة ساحرة، وأسساً إبداعية ذات تعبير قوي تمد جذورها إلى الفلسفة الجمالية لفنون الحضارات التي قامت في وادي الفرات منذ أكثر من خمسة آلاف سنة.
وحتى لا يُحّمل كل السوريين مسؤولية الجهل بتاريخهم، فإن بعض أهم الأبحاث عن «تدمر» قام بها علماء آثار سوريون في مقدمتهم المرحوم الدكتور عدنان البني، ونتائج تنقيباتهم الميدانية، وبحوثهم النظرية منشورة منذ زمن بعيد في مجلة «الحوليات الأثرية السورية»، وفي عدد من الكتب والمنشورات المتوافرة لمن يريد.

آخر الأخبار
السفير الألماني يدعو إلى تجديد التبادل التجاري مع سوريا   المراهق.. فريسة بين تنمر المجتمع والعالم الرقمي  اختصاصات جديدة تعيد رسم ملامح كليات الشريعة  مشاريع الخريجين وتأهيلهم لسوق العمل على الطاولة   خرسانة المستقبل.. ابتكار سوري يحول الأمطار إلى ثروة مائية  التدريب والتأهيل.. فجوة بين العرض والطلب في سوق العمل  تصدير 11 ألف رأس من الماشية الى السعودية "المركزي" يمنح البنوك مهلة 6 أشهر لتغطية خسائر الأزمة اللبنانية بدء تنفيذ مدّ الطبقة الإسفلتية النهائية على طريق حلب – الأتارب الإحصاء.. لغة التنمية ورهان المستقبل "التربية والتعليم ": الإشراف التربوي في ثوب جديد وزير الداخلية يترأس اجتماعاً لبحث الواقع الأمني في ريف دمشق "المواصلات الطرقية": نلتزم بمعايير الجودة بالصيانة وضعف التمويل يعيقنا البنك الدولي يقدّر تكلفة إعادة إعمار سوريا بـ216 مليار دولار "صحة اللاذقية" تتابع 24 إصابة بالتهاب الكبد A في "رأس العين" حملة إزالة الأنقاض تعيد الحياة إلى شوارع بلدة معرشمشة سوريا والصين.. رغبة مشتركة في تصحيح مسار العلاقات زيارة الشيباني المرتقبة إلى بكين.. تعزيز لمسار التوازن السياسي هل تعوق البيانات الغائبة مسار التعافي في سوريا؟ شوارع حلب تقاوم الظلام .. وحملات الإنارة مستمرة