يبدو أن الخدمات التي تقدّم للمواطنين مبنية على فوارق بين أبناء المدن والأرياف، فالكهرباء في المدينة أفضل من الريف، وفي الضواحي القريبة أفضل من الأرياف البعيدة رغم أن شوارع أغلب المدن أصبحت مُنارة بالطاقات المتجددة، فيما الأرياف تغط في ظلام وظلم حالك.
قد يتفهم المواطن ذلك بالنسبة لبعض الخدمات رغم أنه تمييز بين المواطنين المتساوين بالقانون.
إلا أن الأمر يبدو فاضحاً وغريباً بالنسبة لمياه الشرب، فلا يُعقل أن تأتي يومياً مثلاً في كل أحياء مدينة دمشق ١٢ ساعة وفي ضاحية قدسيا المجاورة لمشروع دمر والتي تتغذى من نفس المصدر مثلاً كل ثلاثة أيام، فما هو الاعتبار في ذلك؟ وهل ساكن الضاحية احتياجاته أقل؟ أو هل لديه مصادر متاحة لتأمين احتياجاته غير متاحة لأبناء المدينة؟.
بالتوسع خارج دمشق ترى الأمر أسوأ من ذلك، ففي مراكز المحافظات تأتي المياه كل يوم وفي المناطق كل ثلاثة أيام، وفي القرى الأقرب أو مراكز النواحي كل أسبوع، أما في القرى البعيدة مرة كل عشرين يوماً وأحياناً أكثر، فما هي المعايير في تقديم الخدمات، وهل هناك فوارق طبقية واجتماعية ومواطنية بين سكان المدن والأرياف؟ وهل موضوع المياه فيه مدينة وريف؟.
تمييز في الكهرباء، وتمييز في مياه الشرب، وتمييز في الخدمات، شوارع المدن تقشط وتزفت كل عام أو عامين رغم عدم حاجتها لذلك، وطرق الأرياف لا تعرف حتى الترميم وإن عرفته يكون كل عشر سنوات، هذا ظلم وإجحاف بحق الأرياف، ولا يبرر ذلك فارق توفر الإمكانات بين القرية والبلدية والبلدة والمدينة ويجب أن توزع الموارد بالتساوي، ويجب ألا تُحرم الأرياف من الخدمات إن لم يكن لديها استثمارات وموارد ذاتية.
الفوارق بين أبناء المدن والأرياف ليست بمعيار الجهات المعنية فقط، وإنما بمعايير اجتماعية ايضاً، “فعندما كنا صغاراً، كان إذا أتت عائلة إلى الضيعة من الشام أو غيرها من المدن يحضرون لهم الطعام الذي كنا نشتهيه، ولا نأكل إلا بعد أن ينتهي الضيوف من الأكل إن بقي شيء من الطعام رغم أنهم بأعمارنا وربما أصغر منّا، والكارثة أننا اكتشفنا لاحقاً أنهم كانوا يعيشون في أحياء بائسة لا تقارن بالقرى ولا بما حققه أبناء الأرياف في التعليم والإبداع “