الثورة _ لميس علي:
إن كنتَ من متابعي أعمال الثنائي (يامن الحجلي، علي وجيه)، أو معظمها.. فغالباً ما ستصل إلى نتيجة كون نصّهما «مال القبان» أكثر تجاربهما نضجاً.. دون عن الخوض في بعض هنّاته..
مع أنه تواجد إلى جانب عملٍ آخر لهما، «ولاد بديعة» في الموسم الرمضاني المنصرم وحقّق إقبالاً وانتشاراً أكثر من الأول..
لكن هذا لا يعني تفوّقه من حيث النص، الأفكار، والمعالجة الدرامية، أو حتى من حيث طرح أبرز المحاور.
ما الذي ميّز «مال القبان» عن غيره من أعمال الثنائي..؟
صحيح أن محور العمل كان رصد أحداث الصراع بين قطبي سوق الجبر (نعمان الزير، بسام كوسا ) و(أبو عمار الجبر، نجاح سفكوني).. الصراع الذي تلوّن بتموّجات شرور الاثنين.. لكنه قارب محاور أخرى بطريقة تُظهر العنف والقسوة بأسلوبية غير مباشرة.. وربما هنا مكمن التوازن «النصي» الفارق عن (ولاد بديعة)..
فعلى الرغم من بعض مشاهد العراك، كما في اشتباك حصل بين جميع العاملين في سوق الجبر.. أو كما في اعتداء أحدهم بالضرب على (حنين، روبين عيسى)، أو حتى بالطريقة التي يتبعها (خير، يامن الحجلي) لتحصيل بعض أمواله، لكنه لم يصبح (أوفر).. بل بقي على التوازي مع نوع آخر من العنف غير المباشر.. العنف اللادموي، كما في أسلوب (نوارة، حلا رجب) في الرد على عودة (رغد، سلاف فواخرجي)، أو في طريق تعامل نعمان الزير مع والدته (عدوية، ختام اللحام)، أو حتى بأسلوب تعاطيه مع (خير)..
وبهذا نجح العمل برصد طرائق عنف وقسوة مُعاشة ويومية، نحياها حتى دون أن نلحظها.. وربما كان هذا مكمن ميزته عن «ولاد بديعة»، الذي يتساوى معه لجهة الحضور القوي للممثل السوري مهما اختلفت أحجام الأدوار.
مع كل ذلك.. يبقى «بسام كوسا» الورقة الأكثر من رابحة، وربما رافعة العمل الأميز.. بأداء سيبقى طويلاً عالقاً في ذاكرتنا يستحق لأجلها أن يطلق عليه «زير الأداء».
فنحن لم نشاهد ممثلاً يؤدي دوراً ما، بل كنا نرى تماهياً فريداً من نوعه في فن الأداء..
وللحظات كثيرة سيذكرنا «كوسا»، لشدة تعمّقه بصيد جوهر «الكاركتر»، بطباع «شايلوك».. لكنه ليس ذاك المرابي التقليدي وحسب، بل اختلط في دمائه خبث وجشع المرابي مع حنكة ودهاء التاجر.. فأصبح التاجر المرابي بلبوسٍ عصري..
وذكاء «كوسا» الأدائي لن يجعلنا نكره خصلة الجشع أو الطمع فيه، إنما سنتأمّل طريقة تشرّبه لمختلف صفات الشخصية المتعددة حدّ التناقض، في عدة مواقف..
وهنا ثمة ميزة أخرى تحسب للعمل، تكمن في تركيزه على السمات الآدمية لمعظم شخصياته.. فلا سوادَ مطلقاً ولا بياضَ طاغياً.. ليقدّم نماذج تختلط فيها وضمنها الميّزات والعيوب..
مع أن الصراع الأبرز كان محوري الشر «نعمان الزير وأبو عمار الجبر»، لكنه لم يطغَ على صراعات واضحة أو خفيّة تحدُث داخل الشخصية الواحدة..
مع وضوح رجحان وميلان كفّة الخير لدى البعض، قبالة الشرّ لدى آخرين..
وكأننا كنا أمام (قبّان) يزن ميّزات المرء وعيوبه..
لكن تبقى اللعبة في ذاك المزج بين (قبّان) ذاتي مخفي، وآخر واضح يقيس ويقارن بين مختلف الشخصيات، ميّزاتٍ وعيوباً.