الملحق الثقافي- عمار النعمة:
من شاهد الدراما السورية عبر عشرات السنين يدرك أنها لعبت دوراً كبيراً في تجسيد الواقع وفي طرح قضايا وطنية مهمة تعزز الولاء والانتماء للوطن .. فغالباً ما ينتظر المشاهدون شهر رمضان الكريم، فهو الموسم الدرامي الأهم الذي يتنافس فيه صنّاع ونجوم الدراما التليفزيونية على الحضور والتواجد في أعمال مميزة، سواء أكانت كوميدية، أم اجتماعية أو تاريخية … لكن للحقيقة أنه خلال السنوات الماضية لم نجد قفزات في الدراما الوطنية التي كان نجاحها دليلاً واضحاً على وصول رسالتها إلى الجمهور.
نعم، الدراما هي تجسيد للحياة الإنسانية، وكلما نجح صنّاع العمل الدرامي في امتلاك أدواتهم الفنية، أسهم ذلك في بناء الوعي المجتمعي وتشكيل المعرفة، وهذا بالفعل ماصنعته الدراما الوطنية التي تحظى بأكبر نسب مشاهدة من مختلف الأجيال .. ولا ننسى هنا أننا أصحاب تاريخ حافل بالأعمال الوطنية المؤثرة التي حفرت في أذهاننا منذ عشرات السنين ؟
فمثلاً كانت البداية مع أول تمثيلية درامية «الغريب» عام 1960 التي قُدِمت على الهواء مباشرةً بالأبيض والأسود، وتحدثت عن الثورة الجزائرية وبطولاتها وأمجادها، تمثيل ياسر أبو الجبين، وبسام لطفي، وثراء دبسي، وإخراج سليم قطايا، ثم تتالت الأعمال فكان مسلسل تمر حنة 2001 تأليف أحمد حامد، وإخراج محمد فردوس أتاسي الذي تعمّق بتفاصيل ثورة الجزائر مبرزاً دور المرأة في الحياة الوطنية بصورة المناضلة جميلة بوحيرد، أيضاً مسلسل ذاكرة الجسد 2010 المأخوذ عن رواية تحمل العنوان نفسه إعداد سيناريو وحوار ريم حنا، إخراج نجدة إسماعيل أنزور، حيث يتحدث العمل عن رسام اسمه خالد فقد ذراعه أثناء الحرب التحريرية الكبرى ضد الاستعمار الفرنسي.
أما حضور القضية الفلسطينية فكان دائماً في أذهان الكتّاب، فقدمت الدراما السورية العديد من الأعمال المهمة، منها «عزالدين القسّام» 1981، تأليف أحمد دحبور وبطولة الفنان أسعد فضة، ثم تتالت الأعمال إلى أن وصلنا إلى الأعمال الأهم مثل «التغريبة الفلسطينية» 2004، ومسلسل «عائد إلى حيفا» عن رواية الأديب الفلسطيني غسان كنفاني، إعداد سيناريو وحوار غسان نزال وإخراج باسل الخطيب، ومسلسل «الاجتياح» 2007، إخراج شوقي الماجري، و»سفر الحجارة» 2009، تأليف هاني السعدي وإخراج يوسف رزق، و»أنا القدس» 2010، تأليف تليد وإخراج باسل الخطيب.
ولم يغفل صناع الدراما عن تقديم بعض الأعمال حول الشخصيات المؤثرة في حياتنا فكان ضمن أعمال السيرة الذاتية مسلسل «في حضرة الغياب» عن الشاعر الفلسطيني محمود درويش 2011، تأليف حسن م يوسف وإخراج نجدة إسماعيل أنزور، و»حارس القدس» سيرة المطران السوري إيلاريون كبوجي 2020، تأليف حسن م يوسف وإخراج باسل الخطيب.
خلال الحرب الظالمة على سورية مطلع 2011 أنتجت العديد من المسلسلات حول خطورة وإجرام التنظيمات الإرهابية فكان مسلسل تحت سماء الوطن 2013 ومسلسل الحب كله 2014 حيث قدّم المخرج غسان جبري خماسية عن خطف صحفي من قبل مجموعة إرهابية، فيما قدم المخرج الليث حجو مسلسل ضبو الشناتي جسد فيه مجريات الحرب والهواجس المجتمعية بقالب كوميدي، بالإضافة إلى العديد من الأفلام السينمائية التي صوّرت بطولات الجيش العربي وصموده وانتصاره على الإرهاب كفيلم رد القضاء للمخرج إسماعيل نجدت أنزور.
أمام مانراه من تاريخ لهذه الأعمال التي تعيد إعادة قراءة التاريخ والدفع في الحاضر لمستقبل أكثر نبلاً وأكثر رقياً ونضجاً، نؤكد أن الدراما السورية لم تفقد بريقها رغم الأوضاع الصعبة، واتجاه عدد كبير من مبدعيها للمشاركة في أعمال عربية، لكن السؤال هنا أين الدراما اليوم من هذه الأعمال الوطنية ولاسيما أننا نرى العشرات من الأعمال التي تمر مرور الكرام لاحضور لها ولاتأثير !! لا بل ذهبت تلك الأعمال إلى تقديم الأفكار الهدامة والعنف والخيانات والشكوك التي تخلق حالات من الفوضى.
منذ ثلاث سنوات أو أكثر وصناع الدراما يقدمون أعمالاًمتنوعة لكنها لاتحمل أفكاراً حقيقية تجسد الواقع وتعالجه ضمن نصوص متينة تشد الانتباه، علماً أن هناك الكثير من يحاول تقديم بعض الأفكار لكنها لم تنجح إلا ماندر، مع إيماننا أن النجاحات المتكررة للأعمال الوطنية لم تأت من فراغ، إنما تأتي نتيجة وجود رؤية متكاملة تحاكي الواقع والتاريخ وتمثل خطاً للدفاع عن هوية الوطن.
لاشك أن الاهتمام بتقديم الدراما الوطنية كرسالة وعي وتثقيف وتنوير ضرورة وواجب علينا جميعاً، فهي رسالة الوطن للأجيال القادمة التي تسرد وقائع التاريخ بشكلها الصحيح والهادف، وهي الوسيلة المهمة والمؤثرة في إحداث التغيير الاجتماعي وتعزيز ثقافة الانتماء.. وسلاح الدفاع عن الهوية.. فهل نفعل ؟.
العدد 1185 –16-4-2024