الملحق الثقافي- حسين صقر:
من لم يمتلك ماضياً لاحاضر له، مقولة قد يكون مبالغاً فيها، وقد يصيب من يقولها، حيث لكل قاعدة شواذ، لأن الأحكام تتغير كما نعلم بتغير الظروف والمواقف، ومن يقولون: إنها مقولة مبالغ فيها يرون بأن الماضي اندثر وأخذ معه الذكريات والعبر، وأصبح مجرد أسماء وصور، وأخذوا معهم الانتصارات والهزائم والفتوحات والأفراح والأحزان وكل ما هنالك.
أما رافضو تلك الفكرة، فيقولون: حتى وإن اندثر الماضي، فأناسه حاضرون بيننا نستلهم منهم البطولات والحكم ونضيف إلى تاريخنا الراهن من قصصهم وحكاياتهم مواعظ جديدة تفيدنا في حياتنا.
الرافضون لفكرة التعلق بالماضي، وأن الإنسان ابن يومه، يؤيدون، ليس الفتى من قال أبي إنما الفتى من قال أنا، و لاتقل أصلي وفصلي عربي إنما أصل الفتى ما قد حصل، وماذا حقق هذا الشخص أو هذا المجتمع اليوم، فكثير من الآباء والأجداد بنوا، وجاء أبناؤهم فهدموا، والعكس أيضاً صحيح، حيث كان الكثير من الآباء فقراء جاهلون، جاء أبناؤهم وبنوا الأمجاد وشكلوا الثروات المادية والمعنوية.
اليوم نرى ونسمع ونشاهد الكثير من القصص والروايات التي يستعيدها الكتاب والمبدعون ليعيدوا إنتاجها ووضعها بين أيدي الأجيال، متناسين أن الكثير من تلك القصص، مع أنها تتحدث عن البطولات والفتوحات، لكنها تتحدث عن الحروب والقتل وبقر البطون وقطع الرؤوس والضرب بالمنجنيق والقوس وكل الأدوات التي يستطيع الإنسان أن يقتل فيها، فما الفائدة من رواية تتحدث عن حادثة معينة واليوم لايستطيع الشخص تأمين قوت يومه.
لن يكون التاريخ ملهماً دائماً، ما خلا الحديث عن تحقيق إنجاز من العدم، ورغم قساوة الظروف، والحديث عنه وعن قيمه والأخلاق التي أدت بالوصول إليه، لكن عبر المؤامرات والفتن، ما الفائدة من إحيائه واسترجاعه.
لن يكون التاريخ ملهماً، إلا إذا كان مليئاً بالفخر والعزة، عندها فقط نستلهم منه الأمجاد، لكن ودون الإتيان على ذكر أي عمل، هناك كثير من القصص التي يندى لها الجبين، ولا داعي لذكرها أو التذكير فيها، فالتاريخ مليء بشتى أنواع القصص والروايات، وكما كان فيه قتل وجرائم ومكائد، فيه الكثير من القصص والحكايات عن المروءة والكرم وإغاثة الملهوف وحماية اللاجئ والمستغيث، ودعمه نفسياً ومعنوياً، ولإظهار تلك المروءة لابد من تسليط الضوء على الأسباب التي أدت بالمستغيث اللجوء حتى يظهر اللون الأبيض من السواد، لكن أن يكون اللون الأسود هو المادة الرئيسية فذلك إجحاف بحق التاريخ وأشخاصه.
يقولون: إن التاريخ يكتبه المنتصر، ويعيد صياغته ويحييه الفائز، وهذا يعني أنه يخضع لسياسة وأيديولوجية معينة، الهدف منها إيصال رسائل قد تكون مشفرة حيناً وواضحة في أحيان أخرى.
كثيرة هي القصص والحكايات التي أعيد إنتاجها وتم تعويمها، لم يكن الهدف منها سياسياً بقدر ما كان الهدف مادياً وربحياً، ولهذا تختلط المفاهيم حيناً وتضيع الأهداف حيناً آخر، والتاريخ يبقى جزءاً لايتجزأ من الحاضر، ولكن السيئ منه لا ضرورة له، بينما استحضار الصفحات البيضاء نحن بحاجة ماسة لها.
العدد 1185 –16-4-2024