الثورة – لقاءات راغب العطيه:
لأن الجلاء هو الوضوح والسطوع في زمن الظلام والظلاميين، وهو الثمرة الطيبة لنضال وكفاح مشترك ساهم فيه ويساهم على الدوام كل أبناء الشعب السوري، ويحافظ عليه ويصونه جيش وطني عقائدي يؤمن بسورية الواحدة الموحدة أرضاً وشعباً، لذلك كله يبقى الجلاء بمعانيه ودلالاته حياً في نفوس السوريين كل بموقعه إلى أبد الآبدين.
وبمناسبة الذكرى الثامنة والسبعين لعيد الجلاء زارت صحيفة الثورة رابطة المحاربين القدماء وضحايا الحرب المركزية والتقت عدداً من الضباط المتقاعدين المنتسبين لها ممن كان لهم دور كبير في حياتهم العسكرية السابقة في صفوف جيشنا العربي السوري البطل في الحفاظ على أمن واستقرار وازدهار سورية.
اللواء المتقاعد محمد: أحفاد من حققوا الجلاء يخطون اليوم ملامح النصر..
وكانت البداية مع اللواء المتقاعد معروف محمد الذي أكد أن سورية أول بلد في العالم تحصل على استقلالها من الاحتلال الفرنسي البغيض بفترة قياسية بفضل تضحيات وصمود الشعب العربي ودماء الشهداء الزكية، وقال: الكل يعرف من خلال التاريخ أن الثورة في سورية بدأت منذ أن وطئ أول جندي فرنسي أرض الوطن، فكان الشعب يدا واحدة بقيادة أجدادنا الأبطال من أمثال البطل صالح العلي والبطل يوسف العظمة والبطل حسن الخراط والبطل أحمد مريود والبطل إبراهيم هنانو الذين كانوا جميعا يداً واحدة في مواجهة قوات الاحتلال، فانطلقت الثورة من الساحل وانتقلت إلى دمشق فحلب فإدلب وأخيراً توجت بالثورة السورية الكبرى التي قامت في 1925 بقيادة البطل المجاهد سلطان باشا الأطرش.
وأضاف اللواء محمد أن الجلاء ككلمة يعني الوضوح وظهوره يعبر عن الحقيقة تماماً، وبفضل الجلاء اتضحت للعالم أجمع وخرجت إلى النور الحقيقة الساطعة بأن سورية انتزعت حريتها و استقلالها انتزاعا من الاحتلال الفرنسي، حيث أظهر شعبنا صلابة منقطعة النظير وجسد إرادة وطنية في مقاومة الفرنسيين، مستمدا من قيمه ومبادئه برفض الخنوع والاستسلام، فكان طرد الفرنسيين تجسيداً حقيقيا لهذه القيم والمبادئ، ولقد سطر الآباء والأجداد ملاحم خالدة رافضين كل أشكال الخنوع والتبعية فكانت سورية حافزا حقيقياً لاستقلال بقية الدول العربية الأخرى.
وأضاف: إن المسيرة النضالية للشعب السوري عبرت في محطات مختلفة عن هويته وانتمائه، سواء في نضاله من أجل القضايا القومية أو من خلال التصدي لقوى العدوان، وكانت البداية بالمشاركة في حرب الإنقاذ في فلسطين وما تبع ذلك من وقفات عز وشرف في مسيرة كفاحية طويلة ظهرت بأبهى صورها في حرب تشرين التحريرية التي قادها القائد المؤسس حافظ الأسد، ومن هنا فإننا نعي أسباب استهداف سورية اليوم شعبا ودولة، ونعرف أن هذه الحرب الإرهابية التي تشنها الدول الاستعمارية والمتآمرة معها هدفها تدمير سورية وإخضاعها، ولكن سورية استطاعت الصمود واستطاعت إسقاط هذه المخططات الاستعمارية بقيادة السيد الرئيس بشار الأسد، وهو ما حال دون سقوط المنطقة العربية برمتها ومعها كل قوى التحرر في العالم.
وفي الختام قال اللواء محمد: إن أحفاد من حققوا الجلاء يخطون اليوم ملاحم النصر على الإرهابيين، فمن صمد هذه السنين لن توهن من عزائمه أكاذيب الحاقدين، فالنصر قادم وحتمي وستبقى سورية الإباء وطن السيادة والكرامة ومعقل الشجاعة والبطولة بإرادة شعبها وجيشها وبشجاعة وحكمة قائدها المفدى وكل عام وسورية بخير.
العميد الركن المتقاعد الدكر: إرادة الشعب دائماً أقوى من أي محتل..
العميد الركن المتقاعد جودت صقر الدكر قال من جانبه: الحديث عن الجلاء يقودنا إلى الحديث عن الصراع الذي خاضه الشعب العربي السوري ضد قوى الاحتلال والهيمنة عبر مراحل تاريخه، حيث كان دائماً أنموذجاً في الوطنية والانتماء وواجه كل المحتلين بقوة وصلابة ولقنهم أبلغ الدروس في الدفاع عن الأوطان، وقد تصدى للاحتلال الفرنسي منذ البداية بالرغم من وجود فارق كبير في القوة العسكرية عديداً وعدة، إلا أن إرادة الشعب دائماً أقوى من أي محتل، ونتيجة لهذه الإرادة انطلقت الثورات من الساحل إلى الداخل إلى كل مكان في سورية، ومن ثم بدأت مرحلة النضال السياسي وتشكيل الأحزاب السياسية، وفي هذه المرحلة احتدم الصراع مع قوات الاحتلال الفرنسي، وأصبح هناك إصرار من قبل السوريين على تحقيق الحرية والاستقلال لسورية وجلاء كل قوة أجنبية محتلة عن تراب الوطن.
وأشار العميد الدكر إلى أنه خلال هذه المرحلة كان هناك تأكيد من جميع القوى السياسية على ضرورة وجود جيش وطني يحمي البلاد، وذلك إيماناً وقناعة منها بأن القوة الحامية والموحدة هي الجيش، لذلك كان الإصرار حتى من الأحزاب التي كان لها بعض الانتماءات في بياناتها وخطاباتها وحتى في معاهدة 1936 كان هناك تأكيد على أهمية تأسيس هذا الجيش الوطني، وبالتالي فإن بعض الأفراد والمنتسبين إلى قوات الأمن أو قوات الجيش السوري في ظل وجود قوات الانتداب كانوا نواة لتأسيس الجيش العربي السوري، وهم مشاركون فعليون في الصراع ضد قوات الاحتلال الفرنسي حتى تحقق الجلاء.
وأضاف العميد الدكر أن الجلاء جاء ثمرة نضال مشترك ساهم فيه كل أبناء الشعب العربي السوري، وتحديداً طلائعه الثورية وخاصة الجيش العربي السوري الذي أخذ خطوات جبارة مباشرة لاستلام زمام السلطة بدءاً من منتصف الأربعينيات التي بدأت فيها ملامح نضوج الاستقلال تتبلور، وبالتالي لا بد من وجود قوة تحمي هذا الاستقلال، والقوة الحامية والضامنة إلى الآن هي الجيش العربي السوري الذي اتسم بانتمائه الوطني منذ التأسيس، وذلك لأنه ولد من رحم الآلام وصراع جماهير الشعب مع قوى الاستعمار والبغي والعدوان في تلك المرحلة.
وأكد العميد الدكر أن تلاحم الجيش والشعب دائماً هو الأساس في تعزيز بنيان الجيش أولاً، وثانياً الحفاظ على الاستقلال والسيادة وتحقيق الأمن والاستقرار في سورية، لافتاً إلى تطور وتعمق عقيدة الجيش الوطنية والقومية في مرحلة التصحيح التي قادها القائد المؤسس حافظ الأسد، وذلك لصيانة الاستقلال الوطني ودعم استقلال الدول العربية الأخرى كالجزائر ومصر والعراق وغيرها، الأمر الذي جعل سورية وخاصة بعد حرب تشرين التحريرية إلى يومنا هذا العقبة الكأداء في طريق المشاريع الاستعمارية التي تحاك ضد منطقتنا، ومنها المشروع الإرهابي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية منذ 2011 إلى اليوم، والذي باء بالفشل بفضل صمود الشعب السوري وجيشه، وقائده السيد الرئيس الفريق بشار الأسد، وببركة تضحيات ودماء شهدائنا الأبرار.
العميد المتقاعد أحمد: حقيقة الجلاء مستيقظة دائماً في وجداننا..
بدوره أوضح العميد المتقاعد سعيد أحمد أن الجلاء كان ثمرة تضحيات جسام قدمها أجدادنا من أجل حرية سورية واستقلالها وسيادتها وطرد المحتل الفرنسي من أرضها الطاهرة، وهو الذي أعطى سورية قيمتها على الساحة الدولية منذ ذلك الحين، وقال: وحيث إن الجلاء له دلالاته ورمزيته الكبيرة جداً، فهو بمعناه العام الوضوح ونظافة الشيء من الأدران العالقة والشوائب والأجسام الغريبة، كما هو وثيقة النجاح كما يشار إليه في المدارس، وبالتالي هو نظافة الوطن من الغريب من الاستعمار ومن الشوائب التي تركها هذا الاستعمار، وهو في الوقت نفسه علامة نجاح للشعب السوري الذي قدم الكثير من التضحيات ومازال يقدم للحفاظ على وحدة الوطن وسيادته واستقلاله.
وبين العميد أحمد أن جلاء المحتل الفرنسي عن أرض الوطن في ذلك الوقت جاء نتيجة مخاض عميق جداً من النضال بشقيه المسلح والسياسي، وأنه عندما رفض الاستعمار الفرنسي ما جاء في مؤتمر عام 1919 وطلع بصيغة الانتداب على سورية، وفوجئ الشعب العربي السوري أن الأساطيل والجيش الفرنسي بدأ يقترب من الساحل السوري من الشمال السوري أولاً، وبدأت المواجهة منذ عام 1918، لم يقف الشعب السوري مكتوف الأيدي، فبدأت ثورة الشمال بقيادة الثائر يوسف السعدون وإبراهيم هنانو والشيخ صالح العلي، وقد أوجعوا الاستعمار في مواقع عديدة، وكان للجيش الوطني آنذاك دور مهم جداً في تقديم الدعم لهذه الثورات من المستشارين العسكريين إلى تقديم الأسلحة والذخيرة ما أعطاها إمكانية أن تستمر أكثر في ضرب المستعمرين وأن توجعهم.
ومن يقرأ ما جاء بإنذار غورو 14 تموز 1920 فيما يخص حل الجيش السوري بحسب العميد أحمد، يعرف أهمية الجيش في الحفاظ على البلد والدفاع عنه والحرص على أمنه واستقراره، ولذلك عندما رضخت الحكومة الملكية آنذاك للإنذار وخرجت من سورية، وقف الشرفاء في هذا الجيش وأبوا إلا أن يواجهوا القوات الفرنسية بإمكانياتهم المتواضعة فكانت موقعة ميسلون 24 تموز 1920 أكبر شاهد على ذلك، حيث استشهد وزير الدفاع البطل يوسف العظمة مقدماً رسالة قوية جداً بأننا لن نسمح للاستعمار بأن يطأ التراب السوري إلا على دمائنا وجثثنا، وهذه الحقيقة سجلها التاريخ بأحرف من نور، وقد شكلت معركة ميسلون البذرة الأولى لمقاومة المحتل لما أنتجته من حالة معنوية حقيقية هيأت الأرضية لأن يهب الشعب السوري لمواجهة الاستعمار الفرنسي بالإمكانيات المتاحة لديهم، ومنذ ذلك التاريخ توسعت المواجهات وأخذت أشكالا عديدة، وبرزت أسماء وبطولات أغنت التاريخ العربي السوري حتى بلغت ذروتها بانطلاق الثورة السورية الكبرى بقيادة المجاهد الكبير سلطان باشا الأطرش.
وأكد العميد أحمد أن الثوار قتلوا منذ عام 1918 إلى 1925 من الجيش الفرنسي 15000 جندي، ومنذ 1925 إلى 1927 أوقعوا فيه 2000 قتيل، كما خسر الجيش الفرنسي أكثر من 3000 جندي في العديد من المناطق كالغوطة وغيرها، ما جعل خسارة الاحتلال الفرنسي أكثر من 20000 جندي قتيل في 9 سنوات فقط، مقابل ارتقاء نحو 10000 شهيد من الثوار والمقاومين، ما يعني أن الجلاء لم يأت بتقديم الزهور والورود بل إنه جاء بالدماء، فأنتج ربيعاً مازال يزهر ويزهو لأنه يسقى بدماء الشهداء حتى يومنا هذا.
وقد بدأ النضال السياسي يأخذ دوره في معركة الجلاء منذ عام 1928 وقد تنكب له مجموعة من الرجال السوريين الشرفاء، من أمثال عبد الرحمن الشهبندر وساطع الحصري وشكري القوتلي وفارس الخوري وغيرهم الكثير ممن قادوا الحراك السياسي، وانتخب أول برلمان سوري عام 1928 ووضع دستور للبلاد 1930، وانتخب أول رئيس للجمهورية السورية محمد علي العابد عام 1932 ، وتم إنجاز معاهدة 1936 التي اعترفت بها فرنسا بالدولة السورية والمعاملة بالند تمهيدا للاستقلال، ونتيجة للمماطلات الفرنسية جاء الإضراب الستيني الذي أرغم فرنسا على الرضوخ إلى مطالب السوريين.
وعن المؤامرات التي تعرضت لها سورية في الفترة اللاحقة للجلاء، أكد العميد أحمد أن الأعداء عندما وجدوا بأن سورية أصبحت العقبة الكبرى في طريق مخططاتهم، راحوا يبحثون عن حل، فوجدوه في ما يسمى الربيع العربي الذي هو في جوهره الوصول إلى سورية وتدميرها وتفكيكها وتقسيمها إلى كيانات مجزأة غير قادرة على النهوض بذاتها، متصارعة فيما بينها، من أجل أن يشكلوا ضمان وأمن الكيان الصهيوني، لذلك كان المشروع الإرهابي الأميركي الذي استقدم الإرهابيين التكفيريين من كل أصقاع العالم ومن جميع الجنسيات عبر الحدود السورية، وذلك للنيل من الدولة السورية، وضمن منهج يحاكي المنهج الاستعماري والمنهج الصهيوني الذي يقوم على قتل المواطن السوري، وتدمير الجيش السوري، وتدمير القوى والبنى التحتية للدولة، وسرقة خيراتها وحصارها، وممارسة كل أشكال الضغوط عليها من أجل تجويع المواطن السوري، والغاية من ذلك هو الرضوخ والاستسلام لمشيئة الكيان الصهيوني وللمشروع الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، إلا أن حقيقة الجلاء مستيقظة دائماً في وجدان السوريين الذين يقدمون الدماء من أجل الحفاظ عليه من كل المؤامرات، فكان صمود سورية القائم على الشعب والجيش والقيادة منذ عام 2011 إلى يومنا هذا هو الذي أفشل المشروع الإرهابي الأميركي في المنطقة.
وفي الختام قال العميد أحمد: إن الجلاء رسالة ومنهج وسلوك طبع الشعب السوري بطابعه، وماتزال هذه المسيرة مستمرة وهي تزداد وضوحاً ونماءً من خلال الدماء التي رفدت هذه المسيرة، مشدداً على أن مسيرة صمود الشعب السوري التي يقودها السيد الرئيس الفريق بشار الأسد ستتعزز باستكمال تحرير تراب سورية من شراذم الإرهاب وكل أشكال الاحتلال.