الثورة – رانيا حكمت صقر :
هو شخصية غنية بالإنجازات العلمية والثقافية، وحياته مثال رائع للتفاني والشغف بالعلم والمعرفة.
بداياته في مدينة حلب العريقة وتعليمه في مدرستي (أبو بكر الصديق وأبو العلاء المعري) تعطي أسساً قوية لطالب العلم.
تخصصه في الأدب العربي ودراسته العليا التي تناولت تاريخ الأندلس وبلاد الشام، أهّلته ليصبح معلماً ومديراً للمدارس، وشخصية بارزة في تدبير الشؤون التعليمية والثقافية.
دوره كمدرس للغة العربية، كلفته بالإعارة إلى الجزائر، وإدارته لثانوية المأمون تعكس مساهمته الكبيرة في رفع مستوى التعليم والوعي الثقافي.
إنه الدكتور محمد قجة الذي شغل العديد من المناصب المهمة من رئاسة جمعية العاديات، إلى الأمين العام لحلب عاصمة الثقافة الإسلامية، ومستشارية اليونيسكو التي تُظهر احترافه وتميزه في مجال التراث والحضارة العربية والإسلامية. كما أن تقلده المسؤوليات في تحرير الكتاب السنوي “عاديات حلب” ومجلة “العاديات” يشيران إلى ثقله العلمي والأدبي.
إنجازاته وشراكاته العربية والدولية، من حضوره في مجالس مؤسسة القدس الدولية وجائزة الملك فيصل العالمية ومركز ومتحف المخطوطات في مكتبة الإسكندرية وغيرها الكثير، تعكس سعة انتشار واحترام اسمه.
نشاطه الفكري الغزير وإسهاماته الثقافية، من اكتشاف موقع بيت المتنبي وتحويله إلى متحف، وامتلاكه مكتبة منزلية ضخمة، وحضوره القوي في الساحة الثقافية من خلال الندوات والمؤتمرات، كل ذلك يدل على حبه وإخلاصه لتراثه وثقافته.
قدر كبير من التكريم والتقدير قد أُغدق عليه من مختلف الجهات العربية والدولية، وهذا يبين مدى إسهامه وأثره المتجذر في المجالين التاريخي والثقافي.
أضاء بعلمه وعمله مسارات واسعة من المعرفة والفكر فكان بحق موسوعة فكرية وثقافية، وخسارة للوسط الثقافي والتعليمي ولكل من عرف فكره وعمله. من مسيرته المعطاءة، يتضح أنه استطاع أن يترك بصمة دائمة من خلال مساهماته الكبيرة في مختلف المجالات الثقافية والتاريخية وحتى التربوية.
تعد مساهماته المستفيضة في الحفاظ على التراث العربي والإسلامي، وروحه العلمية النابغة، مصدر فخر لأسرته ولأبناء مدينته حلب ولكل سورية والعالم العربي. إنجازاته في تأسيس المدارس وإدارتها، ودوره البارز في تقديم الشخصيات التاريخية والحضارية عبر مؤلفاته المسرحية والمطبوعة، تظل شاهداً على عمق فكره وسعة اطلاعه.
يظل الراحل قجة نموذجاً للمثقف العربي الذي لا يكل ولا يمل في إثراء الفكر وتقديم المعرفة لكل المهتمين والباحثين، ولربما أهم ما في تلك المسيرة هو كيف كانت مكتبته المنزلية التي تحوي على آلاف العناوين وعشرات الآثار التي أسسها نابعة من شغف حقيقي لا من مجرد عمل روتيني.
لقد كان لافتتاح المؤتمرات والندوات على مدى السنوات الأخيرة دليل على السعي المستمر وراء التجديد في أساليب نقل المعرفة والثقافة. تكريمه من قبل أكثر من خمسين جهة رسمية وثقافية يعد شهادة حية على ما قدمه من عطاء نادر فريد.
الدكتور محمد قجة، رحمه الله، قد ترجل عن عالمنا تاركاً خلفه إرثاً ثقافياً وفكرياً كبيراً، لكنه سيبقى حياً في قلوب المحبين للعلم والمعرفة، وستظل كتبه تشهد على
عطائه الخير لعالمنا العربي .
“اللهم تغمده بواسع رحمتك وأسكنه فسيح جناتك”