بعد أكثر من عامين على الحرب الأوكرانية.. خبراء اقتصاديون لـ”الثورة”: القمح والنفط أهم السلع المؤثرة في الاقتصاد المحلي
الثورة – دمشق – وعد ديب:
لاشك أن الحرب الأوكرانية حرب مركبة معقدة وهي ليست ما بين روسيا وأوكرانيا، بل ما بين روسيا من جهة وأمريكا والغرب والناتو كله من جهة أخرى.. هدفها الغربي ليس الجغرافيا والأرض، بل استنفاد وإنهاك القوى العسكرية لروسيا ومحاولة التضييق عليها اقتصادياً وسياسياً، ومنع قطبها العالمي للعب دوره الكبير في إحلال السلام والاستقرار ومنع التفرد الأميركي في القرار السياسي الدولي.. ليس لأن الغرب يريد غزوها.. بل لأنه يريد إخفات صوتها المستند أساساً لقوتها العسكرية كما الأمر بالنسبة لأي دولة أخرى..
واليوم وبعد أكثر من عامين على الحرب الأوكرانية.. ما تأثيرها على الاقتصاد في العالم وفي المنطقة بما فيها بلدنا سورية؟.
أثر اقتصادي كبير..
في هذا الصدد اعتبر الدكتور والخبير الاقتصادي عابد فضلية في لقاء مع “الثورة” أن هذه الحرب هي بالأساس ليست حرباً إقليمية؛ بل هي في سياق حرب عالمية ثالثة، ولن تنتهي كما يتوقع البعض في مدى معين، لا بعد أسابيع ولا بعد أشهر، مشيراً إلى أن أثرها الاقتصادي كبير على جميع دول العالم دونما استثناء، لأن بعضه يتعلق بالطاقة وبتغيير مصادر ووجهات المستوردات والصادرات الروسية، وتتعلق كذلك بالقدرة المالية الروسية على الدعم المالي والاقتصادي والعسكري الروسي لدول أخرى، ومنها سورية .. وأيضاً بميزان توازن العلاقات الدولية الشرقية والنامية بكل المجالات، ومنها العلاقات مع مجموعة دول البريكس.
على الأصعدة كافة..
لذلك- والكلام لفضلية – فإن سورية متأثرة بالحرب الأوكرانية على كل الأصعدة، ولكن بشكل غير مباشر وبنسبة منخفضة مقارنة مع الكثير من دول العالم الأخرى التي تعتمد اقتصادياً في علاقاتها الخارجية مع كلا الطرفين، مؤكداً أن التأثير جاء بكل المطارح التي عانتها دول العالم، وخاصة مستوى أسعار المواد الغذائية التي تصدرها أوكرانيا، وأهمها القمح والذرة.
ليست نهاية المطاف..
وأشار إلى أن الحرب الأوكرانية هي ليست حرباً إقليمية محدودة بين دولتين متجاورتين؛ بل هي نزاع عسكري يأتي أولاً في سياق حرب بين كتلتين دوليتين؛ ترأس روسيا الكتلة الشرقية أو غير الامبريالية وتمثل أوكرانيا الكتلة الرأسمالية الإمبريالية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية ومن خلفها معظم دول الاتحاد الأوربي، وحتى أن هذه الحرب الدولية هي ليست نهاية المطاف، بل هي المرحلة الأولى وجزء لا يتجزأ من الحرب العالمية الثالثة التي- وبرأي فضلية – بدأت منذ بداية الحرب الأوكرانية الروسية، وانطلقت بوتيرة أسرع منذ مؤتمر قمة دول (البريكس) الأخيرة في جوهانسبورغ، وأعلنت فيها روسيا والصين بسكوت من الهند التخلي عن الدولار كعملة تداول عالمية، والبدء بالتداول بالعملات المحلية لهذه الدول.. ووقتها اقترحت الصين أن تكون عملة التداول بين دول البريكس (الروبية) الهندية.
استمرار لحلقة الصراع..
الدكتور في العلوم المالية والمصرفية الخبير الاقتصادي نهاد حيدر، قال لـ “الثورة” عن الحرب الأوكرانية، وتداعياتها على الاقتصاد السوري، والمنطقة والعالم: لاشك أن الحرب تختار مناطقها وساحاتها وفقاً لأهميتها بالنسبة للأطراف المتنازعة، وبالتالي فإن الحرب في أوكرانيا هي ساحة من ساحات الصراع بين أطراف متصارعة في غير مناطق من العالم أي أنها استمرار لحلقة الصراع السياسي والاقتصادي المنتشر في مناطق أخرى من العالم.
عادة أيضاً تكون الحرب بين أطراف مباشرة وأطراف غير مباشرة، فالواضح في أوكرانيا أن الحرب هي بين روسيا وأوكرانيا، بينما الصورة الشاملة تقول أن النزاع هو بين قطبين عالميين يضم كل منهما دول منتشرة جغرافياً وذات خلفيات اقتصادية وسياسية.
وأضاف: مع بدء العملية العسكرية الخاصة التي تخوضها روسيا في أوكرانيا في 24 شباط 2022، تشكلت الخارطة ومنها معارضة الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية للحرب مقابل تأييدها لأوكرانيا عسكرياً واقتصادياً ولوجستياً، كما فرضت عقوبات متتالية على روسيا، كما تشكلت اصطفافات دولية وإقليمية بين مؤيد لروسيا وآخر لأوكرانيا، وثالث يتوسط المسافة بينهما، وجزء من هذه الاصطفافات هي كانت ضمن حلبة الحرب في سورية، وهذا فرض معادلة صراع جديدة داخل أوروبا كان لها انعكاساتها وتداعياتها السياسية والاقتصادية على العالم والشرق الأوسط عامة، وعلى الأزمة في سورية خاصة؛ وذلك كنتيجة طبيعية لتعارض مصالح القوى الدولية والإقليمية، وهي نفسها في الأزمتين الأوكرانية والسورية، لأن الأزمتين لهما أبعاد دولية وإقليمية تعكسان نمطاً من الصراع الممتد والمفتوح على كل الاحتمالات، فإن تطورات الحرب في أوكرانيا، وبعد مرور عامين على اندلاعها، قد ألقت بتأثيراتها الواضحة على العالم ومنطقتنا.
وبيّن الدكتور حيدر أن تأثير الحرب الأوكرانية على سورية نظراً للعلاقات المتميزة بين روسيا وسورية خاصة منذ عام 2015، ضمن خريطة التفاعلات الدولية؛ وكان لهذه الحرب تأثير واضح على مجريات الأزمة في سورية، ومع انشغال روسيا في الحرب في أوكرانيا وهي كداعم رئيسي للاقتصاد السوري.
شح الاستيراد..
التأثير الآخر هو انقطاع الاستراتيجي السلعي بحجمه الضئيل من أوكرانيا، والتأثير الثالث وهو الأهم أن أزمة أوكرانيا أثرت على العالم كله على أسواق القمح والنفط وهذا التأثير انعكس بدوره على الاقتصاد السوري أيضاً.
ارتفاع مستويات التضخم..
حيدر أشار إلى أن سورية تعاني شأنها شأن العديد من منطقة دول المنطقة أزمة اقتصادية حادة أساسها منذ عام 2011 ، وازدادت حدتها على وقع الحرب الروسية في أوكرانيا، وكذلك تردي مستوى إمدادات الغذاء (القمح) والطاقة (وخاصة النفط) في ظل انخفاض قيمة الليرة وارتفاع معدلات التضخم ومعدلات البطالة.
ويعتبر القمح والنفط أهم السلع التي تأثر بها الاقتصاد السوري بسبب وقوف سورية إلى جانب روسيا في حربها في أوكرانيا، على اعتبار أن أوكرانيا كانت مصدراً هاماً للقمح، وهذا ما دعا إلى تعويض الاحتياج بطرق مختلفة ليست رخيصة وليست بنفس الجودة وغير مستقرة من حيث التوريد، فاضطراب أسواقها عالمياً من حيث الكميات والأسعار أثر سلباً على عمليات التبادل الاقتصادي الدولي.
وتطرق إلى تأثر السلع الأساسية في الاقتصاد السوري، إضافةً إلى اضطراب مفعول وقيمة الحوالات التي تصل إلى سورية من أبنائها في الخارج بسبب ارتفاع مستويات التضخم، ولاشك أن عامل الزمن عبر استمرار الحرب زمنياً يشكل عنصراً ضاغطاً على الأطراف المتأثرة بالحرب ومنها سورية، فضلاً عن ارتفاع فاتورة الدعم الحكومي للسلع الاستراتيجية في سورية مما يشكل ضغطاً كبيراً على ميزانية الحكومة وخططها الجارية والاستثمارية.
قابل للتغيير..
ويشير دكتور العلوم المالية والمصرفية إلى أن تداعيات الأزمة في أوكرانيا حاضرة على الحالة السورية كجزء من الحالة الدولية، تبدو أحياناً الأوضاع مستقرة في سورية، إلى حد ما، عبر وسائل الدعم الذي تقدمه الحكومة السورية للسلع الإستراتيجية في الاقتصاد السوري، إلا أن ذلك قابل للتغير في حال التصعيد على وقع التأثيرات المحتملة، بأبعادها السياسة والعسكرية والاقتصادية، باعتبارها ارتدادات ناتجة عن تفاعلات القوى المعنية بالأزمتين مع بعضها البعض.