د.سليمان لـ «الثورة»: الفنّ قوة هائلة لمن يجيد استخدامها.. وكلية الفنون تخرج طلاباً وليس مبدعين

حوار: عمار النعمة
هو شاعر اللوحة السرمدية التي تضرب في جذور الفن العالمي الأصيل، في تجربته الإبداعية التي تمتد لزمن طويل ثمة نفض لغبار الكسل والاتكاء على المألوف.
وثمة من يرى أنه كما خلخل أدونيس الثوابت الجامدة في الثقافة العربية فعل د.علي سليمان بتجربته التي تفاجئ المتلقي دائماً بكل الثراء.
في الطريق إليه شعور جميل ينتابك أنك ستقابل فناناً حداثياً متنوع الاهتمام جذوره لا تغادر الأصالة لكنها تمتد لتكون نسغ كل جديد، وأنت في منزله وبين لوحاته التي تملأ الجدران تبدأ الحكايات والتفاصيل التي يرويها لك فيجعلك تبحر معه إلى مالانهاية, ولاسيما أنه صاحب تجربة فنية عريقة مليئة بالفرح والحزن والتعب والنشاط والمثابرة.
قراءته تحتاج إلى منهج متكامل في تشريح الفن..
لكننا حاولنا أن نقف عند عتبات هذه التجربة من خلال هذا الحوار السريع .
-تجربتك غنيه بالعطاء ماذا تخبرنا عن البدايات؟
منذ طفولتي إلى اليوم وأنا أعيش بدايات تتجدد في كل يوم، تعلمت الرسم في مدينة طرابلس الشام في أجواء بديعة يحلم بها كل إنسان، ولبسني سحراً وشغفاً مازلت أعيشه إلى يومنا هذا.
مدينة طرابلس وحمص ودمشق وبرلين والعودة إلى دمشق كانت رحالي ومحطات تأسيس وتبلور عمل تخلله إنتاج دائم بلا توقف ومعارض وتجارب ودراسات معمقة في مراسمي الخاصة وفي أجمل المراسم في برلين، كنت شريكاً لأهم الفنانين في العالم وفي بلادنا، في كل يوم أبدأ من جديد لإنتاج شيء جديد، فحياتي مليئة بالقراءة والتأمل والبحث العملي والعلمي والتجريب المستمر..
-تقول: إن مفردات النص البصري في لوحاتك تأتي من عمق الواقعية ماذا تقصد بذلك؟
بدأت حياتي واقعية وتعمقت بها حتى أصبحت أبحث في أجزائها لأعرف كل التفاصيل من دون أن أدري أن إنتاجي اليوم خلال هذه السنوات الطويلة يستمر ويتطور، وذلك جعل محطاتي ومراحل إنتاجي ترسم ما توصلت إليه بشكل سلسلة متتالية من الإنتاج المتأثر بالمناخ والفكر والأحداث والمكان والنور والظل.
خلال عمر طويل من الإنتاج كنت ومازلت عندما أقدُم على مشاهدة ما أنتجت البارحة أجد شيئاً جديداً من الدهشة، وأفاجأ بتحول وانزياح طفيف وتجاوز صغير بين انتاج البارحة وما قبله، إنها حياة طويلة بين الواقعية التي بداتها في العشرين سنة الأولى من عمري والواقعية الحالية.. كنت في برلين أرسم كما الكاميرا وكانت النماذج الحية متوافرة، ولم ينقصني أي شيء لأكون رساماً من الدرجة الأولى مع العلم أنني في كلية الفنون بدمشق كنت تعبيرياً في إنتاجي، لكن حياة المرسم والطبيعة التي اصبحت منذ بداياتي والعمارة والإنسان وكل المواضيع الواقعية والتراثية وكثرة الإنتاج وتواصل الشغف والعمل والبحث جعلني أغوص في الواقعية والحياة وأعيش حالة تامل عميق لا تنتهي، وكان كتاب التحول شاهداً في مراحل إنتاجي المتواصل حيث كتبت فيه 42 نصاً يشرح تحول تجربتي ومنها ما كتبه الدكتور الباحث عفيف بهنسي وغيره الكثيرون، حيث كتب البهنسي بعنوان بين الواقعي واللاواقعي علي سليمان متأمل بعمق، إن ذلك الإنتاج هو نوع من الرقش الشرقي البديع، ويضيف في تحليلاته الكثيرة عن تلك المرحلة.
-هل ثمة تأثير للحرب الظالمة على سورية على أعمالك الفنية؟
بالتأكيد أثّرت الحرب على كل الكائنات، في كل مكان من محطاتي وترحالي عشت مجموعة كبيرة من الحروب، وكنت دائماً متأثراً وشاهداً عليها منذ طفولتي في طرابلس إلى اليوم حيث الحرب الأخيرة والظالمة علينا، كانت مرحلة هامة من إنتاجي وقد بدأت أرسمها قبل أن تبدأ عندما دعيت إلى جامعة حمص وكنت مكلفاً بتأسيس كلية الفنون هناك، رسمت المؤثرات والمؤشرات التي تنذر بالحرب وذلك من خلال معايشتي للناس وتعمقت في تفاصيل المجتمع كأنني لا أعرف هذه المدينة التي عشت فيها بين عامي 1968 و 1975 ميلادي وكانت مدينة علم وثقافة وفنون وحوض غني بالإبداع والمبدعين، لقد تعلمت فيها أن الفن والفكر مكملا لبعضهم البعض، حيث قدمت أهم انتاج من معايشة الواقع في نصوص بصرية, وتحت عناوين الاشباح والثعابين والمخلوقات الخرافية, أقمت معرضي بعنوان (حمص والانطباع الأخير) رافقه توقيع كتابي التحول ومحاضرة تمنيت في نهايتها ان يكون حلم حمص ليس كابوسا، وبعد تأسيس الكلية بشكل ناجح توقف العمل وألغي المشروع وبدأت الحرب .
استمرت الحرب بعد عودتي الى عملي بجامعة دمشق وتابعت ما بدأت به في حمص من الرسم بالأحبار والخامات المهملة، كنت استخدمها مجبراً بسبب الظروف الصعبة والاحتكار والغلاء لمواد الفنانين، وكانت مرحلة انتاج طويلة من فن يرسم الحرب ويصور الدمار والمأساة الحقيقية التي عاشتها سورية، وهذه المرحلة من إنتاجي استمرت سنوات، تخللها إقامة معارض, كان لها أثر كبير على المتلقي وكل فئات الفنانين والجمهور.
-هل نحن في زمن نحسن فيه استخدام الفن؟
الفن قوة هائلة إذا أحسن استخدامه في بناء المجتمع الحضاري, وهو جمال ومتعة وقيمة هامة في حياة الإنسان, خلال ما يقارب العقدين من الزمن أقدمت على تأليف واعداد 500 حلقة من برنامج الفن والانسان وكان هدفه التعريف باللغة البصرية وتوثيق الفن المعاصر خلال 40 عاماً والعمل على نشر الوعي الجمالي وكان ضيوف البرنامج أهم الفنانين والنقاد العباقرة في ذلك الزمن، وللحقيقة كان لهذا البرنامج فعل إيجابي، وترك أثراً هاماً جداً في عملية التثقيف الفني في المجتمع ومازال الناس يكلموني عنه ويطلبون عودته.
-هناك من يعمل على مقاومة الخطأ بصبر وجهد وبخلق مناخ محرّض للأبداع رغم كل الظروف ما رأيك ؟
نعم هناك من يعمل على مقاومة الخطأ وذلك في حالات فردية وبعملية بحث عن الذات في فوضى هائلة وإهمال كبير بالحياة البشرية، ولاشك أن خلق مناخ للإبداع يحتاج قوانين ومؤسسات جادة وأموال لرعاية الفن والمبدعين وما نعيشه حالة نادرة جداً في تاريخ الإنسانية، نحتاج عقوداً للعودة إلى مناخ السبعينات والثمانينات .
-هل كلية الفنون تحرّض على تخريج مثل هؤلاء ؟
كلية الفنون لا تصنع فناناً, والعاصفة وحمى البحث عن المال أصابت بعض الأفراد, وتحولت الساحة الفنية عموماً إلى سوق يجتمع السماسرة والمكتسبين وتجار الفن الغرباء عنه للبيع والشراء, وأصبح الفن الحالي نوع من العبث وذلك ليس فقط في بلادنا انما في كل العالم.
كلية الفنون تخرّج سنوياً عدداً كبيراً من الطلبة لكنها لا تصنع فنانين, الفن موهبة وعطاء رباني خلقها الله مع الفنان, تنمو هذه الموهبة في رعاية الأهل والمجتمع قبل أن يأتي الفنان الى الكلية التي تعيش اليوم الازمة والتحولات التي طرأت على المجتمع, لكنها تخرج طلبة نتمنى أن يسلكون طريق الصواب وتصحيح المسار .
-هل تعتقد أن التطور في الاتصالات والأنترنت لعب دوراً سلبياً في إنتاج الفنانين الشباب؟
تطور الاتصالات والانترنت مفيد لمن يبحث عن المصدر الصادق والمهم، لكن ذلك تحول إلى عكازة الضعفاء من الفنانين الذين تتلخص أهدافهم في الحصول على وثائق تؤمن لهم مكاسب سواء في المناصب الأكاديمية أو العملية في القطاع الخاص والعام وبذلك يتحول الانترنت إلى عملية نسخ فوتوكوبي للبحث بلا قيمة, إن الفن وتطبيقات الرسم التي أخترعها الآخرون في الأنترنت تغيّر توجه الفنان عن الإنتاج الراقي الحقيقي في تأليف وتصوير وتشكيل نصوصه البصرية بشكل يجتمع فيه الفكر والإبداع والتقنية وديمومة العمل الفني وتأثيره الراقي على المتلقي والمجتمع .
-ماذا في الجعبة اليوم بعد مسيرة طويلة من العطاء ؟
متابعه حياتي ومسيرتي الفنية الى النهاية بعيداً عن الضوضاء والعمل في بيتي الذي أصبحت جدرانه حدوداً لوطني الكبير في عالم الكتب واللوحات وكتابه المذكرات, فأنا مستمر في البحث الفني والفكري بانتظار الحياة الإبداعية وانتعاش المجتمع المثقف من جديد.

آخر الأخبار
الوزير المنجد: قانون التجارة الداخلية نقطة الانطلاق لتعديل بقية القوانين 7455 طناً الأقطان المستلمة  في محلجي العاصي ومحردة هطولات مطرية متفرقة في أغلب المحافظات إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم السوداني يعلن النتائج الأولية للتعداد العام للسكان في العراق المتحدث باسم الجنائية الدولية: ضرورة تعاون الدول الأعضاء بشأن اعتقال نتنياهو وغالانت 16 قتيلاً جراء الفيضانات والانهيارات الأرضية في سومطرة الأندونيسية الدفاعات الجوية الروسية تسقط 23 مسيرة أوكرانية خسائر كبيرة لكييف في خاركوف الأرصاد الجوية الصينية تصدر إنذاراً لمواجهة العواصف الثلجية النيجر تطلب رسمياً من الاتحاد الأوروبي تغيير سفيره لديها جرائم الكيان الإسرائيلي والعدالة الدولية مصادرة ١٠٠٠ دراجة نارية.. والجمارك تنفي تسليم قطع ناقصة للمصالح عليها إعادة هيكلة وصيغ تمويلية جديدة.. لجنة لمتابعة الحلول لتمويل المشروعات متناهية الصِغَر والصغيرة العقاد لـ"الثورة": تحسن في عبور المنتجات السورية عبر معبر نصيب إلى دول الخليج وزير السياحة من اللاذقية: معالجة المشاريع المتعثرة والتوسع بالسياحة الشعبية وزارة الثقافة تطلق احتفالية " الثقافة رسالة حياة" "لأجل دمشق نتحاور".. المشاركون: الاستمرار بمصور "ايكو شار" يفقد دمشق حيويتها واستدامتها 10 أيام لتأهيل قوس باب شرقي في دمشق القديمة قبل الأعياد