الثورة _ رفاه الدروبي:
زيناتي قدسية مسرحي تعلَّم من المسرح صدق الأداء فترك بصماته بقوة على خشبته ليبقى عالقاً في الذاكرة والوجدان حتى مغادرته المسرح، واليوم يُلخِّص مسيرة خمسة عقود ونيِّف قضاها في جنباته فكان ضيفاً مُكرَّماً في ملتقى الإبداع بالمعهد المسرحي للفنون المسرحية للاحتفاء بمشواره الفني وتجربته الإبداعية الرائدة، حيث أدار الحوارالناقد سعد القاسم.
الممثل القدوة
عميد المعهد العالي للفنون المسرحية تامرالعربيد أشارإلى أنَّ ملتقى الإبداع يستضيف أصحاب التجارب القدوة في مؤسسة إبداعية على خشبة سعد الله ونوس، وعندما نحتفي بقامة مسرحية نعترف بأهميَّة تجربتها ونقدِّرها وندعوها للحوارالإبداعي الأكاديمي لنستزيد من تجربتها ونكبربها، مُنوِّهاً إلى أنَّه شخص ذاكرة وذاكرته تبدأ من زمن الشاهد الوحيد من يستطيع التحدُّث عن مهرجان دمشق المسرحي والقامات الكبيرة، إذ عاصر سعد الله ونوس وفوازالساجر وأسعد فضة ومانويل جيجي ونبيل الحفار وعادل قرجولي والقائمة تطول. كان اسماً في ذاكرة المسرحيين العرب وفي عروض ومهرجان دمشق المسرحي. إنَّه كما أطلق عليه نجله قصي القابض على الجمر المسرحي الحقيقي صاحب الوفاء لخشبته.
كنفاني مفتاحي ووعي
-حبذا لو تحدثنا عن بداياتك المسرحية؟
— لم أكن أفكِّر يوماً بالمسرح؛ بل كنت أتجه إلى النحت والفنون التشكيلية وطلب مني أحد المخرجين في مدينة إربد الأردنية العمل في عمل مسرحي له وأجبرني على المشاركة، وكان السبب الأول لمشاركتي عدوان حزيران ١٩٦٧؛ وليس عشقاً للمسرح ولا حبَّاً به؛ بل أردت الاتجاه إلى الفن التشكيلي أو الطب وعندما انتهيت من المسرحية قرَّرت عدم العودة؛ لكن بعد أسبوع عدت إلى المخرج الأردني أدقُّ بابه للمشاركة. يبدو أنَّ السوسة بدأت تنخر ومازالت مستمرة حتى الآن، ولدت في مدينة حيفا من أبوين فلسطينيين وعندما كبرت قليلاً قرأت لغسان كنفاني كانت قصصه تُهرَّبُ من الكويت على ورق طويل حفظته عن ظهر قلب وكان مفتاحي ووعي للقضية والوطن.
مع سعد الله ونوس
-كيف استطعت وضع حالة مسرحية خاصة بعيداً عن الدراسة الأكاديمية؟
–كنت بعيداً عن الدراسة الأكاديمية ولم أنل شهادات ودراسات عليا بل أنهيت الدراسة الثانوية وفق المنهاج المصري مع مجموعة من الشباب الأردني، وحاولت الدراسة في إحدى الدول الغربية والتخصص في الفن التشكيلي لكن لم أوفَّق، لأنَّ مشروع تخرجي كانت رسمة للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، عام ١٩٧٠ وتزامنت مع أحداث الأردن فعدتُ إلى دمشق الفيحاء، واستقريت فيها وشاركت في كلِّ المسارح السورية، إضافة إلى أنّني كنت أحد الأساسيين في المسرح الفلسطيني وقضيت فيه ردحاً من الزمن؛ ثم تركته عام ١٩٨٧، إلى أن طلب مني المخرج الكبير سعد الله ونوس المشاركة في مسرحية كتبها بعنوان «الاغتصاب» ستعرض في القاهرة، بناء على رأي مسؤول العمل بأرض الكنانة وتمَّ النقاش على مدى أسبوع، وكنت أكتب وقائع الحوارات بيني وبين الونوس الصديق الحميم وكنَّا ننادي بعضنا البعض دون ألقاب ورغم كل ما بيننا لم نتفق على المسار الفكري للنص.
التثقيف المسرحي
– كيف عملت بالمسرح ونضجت تجربتك المسرحية؟
— اكتشفت بعد مجيئي من الأردن بعدة عروض أنَّ المسرح قضية وورطة حقيقية وتحتاج لرجال فحظيتُ بالتعرُّف إلى شخصيات مهمة في دمشق، إضافة إلى أنَّ أصدقائي زوَّدوني بمناهج الفنون المسرحية بالقاهرة وموسكو وكييف ومدن أخرى من الاتحاد السوفييتي سابقاً، وشاركت بالعروض المسرحية، وقرأت مناهجهم كما رفدتها بمشاهدة وتسجيل العروض المسرحية لأعمال شكسبير «ماكبث وعطيل» وتأثرت بالأداء فيها ولاأزال، لم أبدِ أيَّ رأي بالمسرح من عام ١٩٧٧ حتى عام ١٩٨٦، وكان ضمن ندوة عن عمل الممثل في المسرح العربي ومعوقاته بحضور مخرجين وكتَّاب على مستوى كبير، بينهم نبيل الألفي وسعد أردش، لكنَّ الدكتورة نجاح العطاركان لها دورفي مسيرتي عندما قالت للفنان أسعد فضة: كيف تديرون ندوة وليس هناك ممثل، يوجد خلل وأكَّدت على ضرورة حضوري خلال الندوة، واستمعت للمخرجين حيث فنَّدوا كلَّ مسائل المسرح العربي وعلقوها على مشجب الممثل بأنَّه ضعيف ولا يمتلك تقنيات المسرح ومنهجياته؛ ما ترك أثراً على مسيرته فكانت مداخلتي في الندوة وثَّقها نجلي قصي في كتاب «القابض على الجمر» وزوَّد الكتاب بالحوارات عن كلِّ مسيرتي الفنية.
– ماذا يُميِّز خريج المعهد عن الممثلين غير الأكاديميين.؟
–إنَّ نيل الشهادة لا يعني أن تصبح ممثلاً فشهادة الطب لا تعني طبيباً، والكثير من المسرحيين بدأوا في ثلاثينات القرن الماضي دون أن يتلقّوا دروساً في معاهد ورغم ذلك كانوا عمالقة على خشبات المسارح. لستُ أكاديمياً لكن يُمكنني إدارة معهد مسرحي، فالدراسة الأكاديمية تصقل الموهبة.
من جيل الوسط
– ماذا قدَّم زمنكم حتى وصلتم لما أنتم فيه ومنع عن الجيل الحالي؟
–إنني من جيل الوسط بين من تعبوا حتى عبَّدوا الطرق لنا. كان صعباً في ظل واقعنا الاجتماعي العربي والسوري كونه لا يقبل عمل «المشخصاتي»، وكنت أراقب الحركة الفنية وكثيراً ما قدِمتُ إلى دمشق من الأردن كي أتابع العروض المسرحية كجان دارك على مسرح القباني عام ١٩٦٧-١٩٦٩، لكن هل تعتقدون أنَّكم بلا آباء؟ إذاً، فماذا كان يفعل عبد اللطيف فتحي ومراد السباعي.
– هل يمكن في ظل الظروف الحالية أن نجد جمهوراً للمسرح والمنودارما وغياب المهرجان المسرحي في دمشق؟
–مازال للمسرح والمنودارما جمهور ضخم قادر على معرفة ماذا يتابع. إنَّ غياب المهرجان المسرحي له تأثير سلبي لأنَّه يُعتبر مدرسة حقيقية لكلِّ من يشتغل به في العالم العربي، إذ كان يشارك فيه عدد من المسرحيين العرب والنقاد الكبار، لذا لا بدَّ من تخصيص بيوت للثقافة كبيت سعد الله ونوس، مُنوِّهاً إلى أنَّه كان من بين اللجان المسرحية وقُدِّم له ٢٩٧ نصاً قرأهم؛ ولم يجد بين (250) نصاً أيَّ واحدٍ مهمٍّ، مُضيفاً: عندما قدَّمتُ المنودراما كنت مشبعاً بالأدوار الأولى عام ١٩٨٥؛ ولا أعرف مشاعر من يؤدِّي الأدوار الثانية، ولم آتِ من باب الترف الفني.
السابق