الملحق الثقافي- سهيلة إسماعيل:
ربما تكون عبارة « المكتوب يُقرأ من عنوانه « أفضل تشبيه أو مدخل لمعرفة أهمية ووظيفة العتبات النصية .. حيث يشكل العنوان إحدى أنواعها الأساسية الشاملة للغلاف، المقدمة، التقديم، الإهداء، الحواشي، التفسيرات، الاقتباسات، الخاتمة وغيرها من العتبات الأخرى المحيطة بالنص أو الكتاب.. وقد رأى النقاد أن العتبات تعطينا فكرة ولو كانت مختصرة عن النص، وتساهم في كشف جماليات النص وجذب القارئ من خلال محاولته التقصي عن مدلولاتها.. سواء كان النص شعراً أو نثراً أو رواية أو مجموعة قصصية.. وكثيرًا ما يكون العنوان سببًا في اختيار كتاب دون سواه أو العزوف عنه، ويحفل تاريخ الأدب بالكثير من العناوين المثيرة مثل كتاب « نهاية التاريخ» لـ فوكوياما، وكتاب « نظام التفاهة» لآلان دونو و « وكتابي كونديرا « حفلة التفاهة « و» غراميات مضحكة « وغيرها من العناوين الكثير.. فالعنوان كما قال عنه طه حسين :» يعكس عالم النص المتشابك والمعقد..» ومن هذا المنطلق صدرت مؤلفات كاملة تشرح وتفسر أهمية العنوان منها : « العنوان في الأدب العربي: النشأة والتطور»لمحمد عويس..وكتاب» في نظرية العنوان : مغامرة تأويلية في شؤون العتبة النصية « لخالد حسين.
بالمقابل، هناك من وجد أن الاهتمام بالعتبات النصية هو من قبيل الموضة الدارجة، ووصل الأمر بأصحاب هذا الرأي إلى حد السخرية من موضوع العتبات.. بينما كان الاهتمام بالعتبات مبكرًا في الأدب الغربي، حيث صدر كتاب» عتبات» للناقد الفرنسي جيرار جينيه عام 1987، وربما يوجد كتب عالجت الموضوع قبله، وفيه يشرح الكاتب بإسهاب العتبات ووظائفها وتصنيفها ومدلولاتها .. وتكتسب العتبات أهمية كبرى للولوج إلى داخل النص، فهي مفتاح النص كما تشكل عتبات البيوت مدخلاً إليها..وكما أسلفنا حظيت عتبة العنوان والغلاف باهتمام كبير على مستوى الخطاب النقدي وعلى مستوى الخطاب الأدبي .
وللتأكيد على أهمية عتبة العنوان، سنذكر هنا رواية الصحفية الفرنسية إملين مالفاتو» ليبكيكِ دجلة» الصادرة عام 2021 عن دار إليزاد والفائزة بجائزة الغونكور الفرنسية، وهي تتحدث عن قصة فتاة خلال الحرب على العراق، تقيم علاقة مع جارها الشاب تكون نتيجتها الحمل قبل إعلان الاقتران بشكل رسمي وشرعي، فتنتهي الرواية بانتظار الفتاة للموت القادم على يد أخيها لغسل العار الذي سيلحق بالعائلة لا سيما وأن الشاب استشهد في الحرب، حيث نتوقع مأساوية الرواية من عنوانها المحزن إلى درجة أن نهر دجلة سيبكي الفتاة.. كما تستخدم الكاتبة مالفاتو عتبات أخرى كإهداء الرواية لنساء منطقة الفرات في إشارة إلى أن حالة الفتاة ليست حالة فردية وإنما هي حالة مجتمع بأكمله : إلى نساء الفرات : مريم، شاديا، علياء وفاطمة»، وهناك عتبة الاقتباسات من ملحمة جلجامش فتذكر في مقدمة الرواية ما قالته سيدوري وهي والدة جلجامش حين كان يذهب للبحث الخلود :» قالت سيدوري لجلجامش : إلى أين تذهب يا جلجامش ؟ لن تجد الحياة التي تبحث عنها، فعندما خلقتِ الآلهة البشر جعلت الموت مقدراً عليهم».
ومن خلال هذه العتبات يتمكن القارئ من معرفة هول المأساة في متن النص الروائي.. وهذا دليل على أهمية العتبات ورجحان كفة النقاد المؤيدين لتلك الأهمية.
العدد 1187 –30-4-2024