الملحق الثقافي- د . ياسر صيرفي:
لا شكَّ في أنّه لكلِّ عمقٍ أو لُبٍّ قشورٌ تحيطُ بهِ تحميهِ حيناً، وتمنعُه من أن يُرَى ما في داخلِه حيناً آخرَ، ولعلَّ هذا هوَ حالُ كثيرٍ من المؤلَّفاتِ التي باتَ من سُنَنِها أن يكتبَ الكاتبُ نفسُه أو بلسانِ مَن يمتلكُ القدرةَ والخبرةَ في الوقوفِ على العتباتِ في سبيلِ الوصولِ إلى العمقِ الشاسعِ في البعدِ، فكثيرٌ من المؤلِّفين اليومَ عمدوا ويعمدون إلى الاتّكاءِ على مُقدِّماتٍ أو إهداءاتٍ يتوِّجونَها كمدخَلٍ لمؤلَّفاتِهم تسعى في كثيرٍ من الأحيانِ لتكونَ مثيرةً الفضولَ حيناً أو مُفسِّرةً وممهِّدةً لما يحتويه ذلك المؤلَّفُ؛ وذلك بخبرةِ المُقدِّم وعمقِ تفكيرِه حيناً آخر، وربّما قُصِدَ منها في بعضِ الأحيانِ أن تكونَ واجهةَ الصّراعِ الأولى بينَ المُتلقِّي والمادَّةِ المُقدَّمةِ له؛ كي يستدلَّ المؤلِّفُ من خلالِها على ردّةِ الفعلِ حولَ الكتابِ المؤلَّفِ، وعندها يكونُ هناكَ انتقالٌ مُتدرِّجٌ ومنطقيٌّ بين خارجِ المؤلَّفِ وداخلِهِ، وذلك بنقلةٍ تمهيديّةٍ أم إهدائيّةٍ يُنتقَى لصياغتِها مَن امتلكَ الخبرةَ والحذاقةَ والفهمَ الدّقيقَ للموضوعِ الذي يدورُ حولَه المؤلَّفُ.
لكنّ التقديمَ الذي يسعى إليهِ كثيرٌ من المؤلّفينَ هو سلاحٌ ذو حدّين؛ فإمّا أنْ يحملَ سمةَ الاسترسالِ الذي يعمدُ إلى تلخيصِ المادّةِ التي يقدّمُها، وتقديمِها على طبقٍ ذهبيٍّ سهلِ المَنالِ يقنعُ ويتحفُ ويحرّكُ المكنوناتِ الفكريّةِ والروحيّةِ لدى المُتلقِّي – بحسب قدرةِ المقدّمِ – أو أنَّهُ يشوّهُ المادّةَ المكتوبةَ بسببِ ضعفِ خبرةِ المقدِّمِ أو ثقافتِه حولَ الموضوعِ الذي يقدّمُ له، عندَها تصبحُ هناكَ فجوةٌ حقّةٌ بينَ التقديمِ والواقعِ الحقيقيِّ للمادّةِ المُقدَّمِ لها، ولا سيّما عندما يقدّمُها مَن يمتلكونَ أنصافَ الخبرةِ أو أرباعَها ممّن يُسمَّونَ أغرارَ المثقّفين، فالمقدّمة يمكن أن نقولَ بأنّها عتبةُ التسويقِ الأكثرِ تأثيراً بالمُتلقّي وخلاصةُ القول: «التمهيدُ للنصِّ عتبةٌ للفهم والتأويل» تختصرُ كثيراً من محطّاتِ الولوجِ في العمقِ في حال تمَّ التقديمُ على أيدٍ خبيرةٍ تكونُ على درايةٍ عاليةٍ بالعملِ الذي يتمُّ التمهيد له، فيحدث حينَها عناقُ القشورِ واللُّبابِ بلوحةٍ فنّيّةٍ عنوانُها التناسقُ والانسجامُ.
العدد 1187 –30-4-2024