الكتاب الجيد يقدم نفسه

الملحق الثقافي- منى حبابة:               

تجربة الروائي السوداني أمير تاج السر في مجال تقديم الكتب مهمة جداً كتب عنها في القدس العربي قائلاً:

منذ عدة سنوات طلب مني أحد الأصدقاء، وكان قد جمع قصصاً قصيرة ظل يكتبها سنوات، في كتاب متوسط الحجم، أن أكتب له مقدمة لتلك المجموعة، أو على الأقل، عدة أسطر مختصرة على الغلاف الأخير للكتاب، كنوع من التزكية المشروعة، أو تقديم كاتب جديد لقارئ ربما صادف وعثر على الكتاب وأراد قراءته.
لم أكن في الحقيقة مقتنعاً بتلك الفكرة، وخاصة أنني كنت في ذلك الوقت، وبالرغم من أنني كتبت كثيراً في مشروعي لكني ما زلت أبحث له عن موضع وسط تجارب كثيرة ورائدة وبالتالي لا أملك تلك السطوة التي تشد قارئاً إلى كتاب، وأيضاً لقناعتي الشديدة أن لا جدوى من كل ذلك في زمن أصبحت فيه الكتابة مرضاً وبائياً أصيب به معظم الناس، والقراءة إما غائبة تماماً، وإما انتقائية، ترسخت عند عدة أسماء ولن تتركها بحثاً عن أسماء جديدة، إلا إذا جاءت متوجة بجائزة من تلك الجوائز العديدة التي دخلت الكتابة العربية مؤخراً. وأصبحت أكبر صيتاً من كلمة لمؤلف على غلاف ربما تكون مجاملة أكثر منها رغبة في مناصرة الإبداع.
في قراءاتي الكثيرة عبر سنوات طويلة، بعد أن نضجت وأدمنت زيارة المكتبات، وأيضاً طلب الكتب غير المتوافرة، صادفت كتباً كثيرة، مكتوباً على أغلفتها كلام جاذب، بتوقيع لامع، لكن حين تصفحتها لم أجد ذلك المحتوى الإبداعي الذي وصف، على عكس أخرى، صدرت وأغلفتها عارية من التقديم، وكانت تضج إبداعاً وجنوناً.
ليس معنى أن يكتب مبدع ناجح على غلاف كتاب ما لكاتب جديد، أنه يعطيه تأشيرة مرور لطريق القراءة، وليس معنى أن لا يكتب، أن يظل الكتاب مهجوراً لا يطالعه أحد، وفي الوقت الحالي ومع تزايد طرق الاتصال، ألغيت كثير من الطرق القديمة التقليدية، التي تروج بها السلع، وحلت محلها طرق جديدة، والكتاب سلعة كما نعرف، وقد كانت كلمة الغلاف، والدراسات النقدية التي تكتب بعد صدور الكتاب، من أكثر الطرق الدعائية المعروفة.
المهم أنني كتبت لصديقي كلمة صغيرة على غلاف مجموعته وكانت مجموعة جيدة فعلاً، وفيها تلاحم مع الشعبي والأسطوري، وبها قصص ليست قصيرة جداً أو طويلة جداً، ولكن مقنعة ومكتملة في رأيي. لكن مع الأسف مرت أكثر من خمس سنوات ولم أسمع أي صيت لتلك المجموعة، لم أسمع أن أحداً قرأها أو ناقداً تصدى لها، أو ناقشتها مجموعة من القراء في منتدى قرائي، وحتى صديقي الكاتب، لم يعد يكتب كما أظن، لأنني لم أسمع بإنتاج جديد له، وكأن حماسته قد فتر، أو كأن الإحباط استولى على بؤر الإبداع داخله، وأسكت فورانها.
الآن بعد سنوات طويلة ما زلت أذكر بداية اشتغالي بالكتابة، أيام دراستي في مصر، حين حملت روايتي الأولى «كرمكول والحصانة القروية»، وهي مخطوط، ذهبت بها إلى صديقنا الراحل محمد مستجاب الذي تعرفت إليه في مقاهي وسط البلد، من ضمن معظم مبدعي تلك الفترة الجميلة، ومنهم أصدقاء ما زالوا يلونون حياتي إلى الآن. كان محمد مستجاب كاتباً كبيراً، له ثقل جبل وعمق بحر، يقرأ كل شيء، ويتحدث في كل شيء، ويتذوق الكتابة جديدها وقديمها، ويستطيع أن يدرج حتى الحجارة الصلدة، في كتابة ساخرة لا يعرفها أحد غيره، ومن منا لم يستمتع بكتابه: التاريخ السري لنعمان عبد الحافظ، أو سلسلة قصصه عن آل مستجاب.
كان الكاتب العظيم، كريما معي حين وافق على قراءة مخطوطي، لكنه أعاده إلي بعد عدة أيام، ورفض أن يكتب حرفاً كتقديم لكتاب أحسه جديراً بتقديم نفسه، كعمل أول قطعا تتبعه أعمال أفضل، كما أخبرني. وحين صدر الكتاب بعد ذلك من دار نشر صغيرة، بلا تزكية ولا كلمة على الغلاف من أحد، كان مستجاب أول من كتب عنه، وأدخله في مقارنة مع رواية الأشياء تتداعى، للنيجيري العظيم تشينوا تشيبي، مما أذهلني حقيقة، في زمن كانت مثل تلك الكلمات، هي العائد الوحيد الإيجابي لشقاء الكتابة. ثم كان ذلك الكرم المضاعف حين كان يشتري الكتاب، ويوزعه مجاناً للناس، ترويجاً له.
بعد سنوات من ذلك وفي عام 1995 كتبت رواية صغيرة اسمها «سماء بلون الياقوت» وأيضاً وتحت إحساسي بأن لا أحد سيقرأها لو لم تقدم بواسطة أحد ما، ظللت أطارد كاتباً شهيراً جداً عبر الهاتف والرسائل المباشرة، راجياً منه تقديمي، فلم يفعل بالرغم من أنه قرأ الرواية، ربما بسبب انشغاله، وربما لأسباب أجهلها، وصدر الكتاب بغلاف عار من أي كلمة، ومضى ولا أعرف إن كان قد قرأه أحد أم لا، لأنني لم أسمع بدراسة كتبت عنه، أو نقاش دار حوله.
ما أردت قوله للذين أصابتهم عدوى الكتابة من الأجيال الجديدة، وتحتم عليهم أن يكتبوا طائعين أو مجبرين، إن الأمر محزن للغاية، وذلك الدرب الذي لا بد أن يطرقه أحد في كل زمان، ليظل درباً، بات الآن مهدداً بالحفر والمجاري، وأيضاً أمراض التوتر التي تقصر العمر، وبلا أي فائدة تجنى، حتى «الصيت» الذي كان يدفع بكثير من الهواة الأثرياء، لإنفاق آلاف الدولارات في طباعة أشعارهم أو رواياتهم، وتوزيعها مجاناً على الأصدقاء، ما عاد بالإمكان تحقيقه الآن، وسط مئات الآلاف من الكتب بمختلف أنواعها وأمزجتها، وهي تبحث عن قراء يلقون إليها بنظرة.             

العدد 1187 –30-4-2024       

آخر الأخبار
السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص السبت القادم… ورشة عمل حول واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة وآفاق تطويرها مدير "التجارة الداخلية" بالقنيطرة: تعزيز التشاركية مع جميع الفعاليات ٢٧ بحثاً علمياً بانتظار الدعم في صندوق دعم البحث العلمي الجلالي يطلب من وزارة التجارة الداخلية تقديم رؤيتها حول تطوير عمل السورية للتجارة نيكاراغوا تدين العدوان الإسرائيلي على مدينة تدمر السورية جامعة دمشق في النسخة الأولى لتصنيف العلوم المتعدد صباغ يلتقي قاليباف في طهران انخفاض المستوى المعيشي لغالبية الأسر أدى إلى مزيد من الاستقالات التحكيم في فض النزاعات الجمركية وشروط خاصة للنظر في القضايا المعروضة جمعية مكاتب السياحة: القرارات المفاجئة تعوق عمل المؤسسات السياحية الأمم المتحدة تجدد رفضها فرض”إسرائيل” قوانينها وإدارتها على الجولان السوري المحتل انطلقت اليوم في ريف دمشق.. 5 لجان تدرس مراسيم و قوانين التجارة الداخلية وتقدم نتائجها خلال شهر مجلس الشعب يقر ثلاثة مشروعات قوانين تتعلق بالتربية والتعليم والقضاء المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات لقوات العدو في عدة مواقع ومستوطنات “اللغة العربيّة وأثرها في تعزيز الهويّة الوطنيّة الجامعة”.. ندوة في كلية التربية الرابعة بالقنيطرة