الثورة – يمن سليمان عباس:
مما لا شك فيه أن تطور أي مجتمع إنما يقوم على العمل بكل ألوانه وأنواعه، من العمل العضلي إلى الفكري، ومن ثم إلى كل الألوان الأخرى.
وما نراه اليوم من صروح ومشيدات هو نتاج العمل..
كل حيث يرى نفسه قادراً على العمل.
هذا في الزراعة، وذاك في البناء، وآخر في مجالات الفكر..
اليوم يحتفي العالم بعيد العمال.. كل يقدم ما لديه في هذا اليوم الذي هو كل يوم،
وكان شعراؤنا سباقين إلى هذا الاحتفاء من أحمد شوقي إلى الجواهري وغيرهما.
يقول أحمد شوقي مخاطباً العمال:
أَيُّها العُمّالُ أَفنوا العُمرَ كَدّاً وَاِكتِسابا
وَاِعمُروا الأَرضَ فَلَولا سَعيُكُم أَمسَت يَبابا
إِنَّ لي نُصحاً إِلَيكُم إِن أَذِنتُم وَعِتابا
في زَمانٍ غَبِيَ الناصِحُ فيهِ أَو تَغابى
أَينَ أَنتُم مِن جُدودٍ خَلَّدوا هَذا التُرابا
قَلَّدوهُ الأَثَرَ المُعجِزَ وَالفَنَّ العُجابا
وَكَسَوهُ أَبَدَ الدَهرِ مِنَ الفَخرِ ثِيابا
أَتقَنوا الصَنعَةَ حَتّى أَخَذوا الخُلدَ اِغتِصابا
إِنَّ لِلمُتقِنِ عِندَ اللَهِ وَالناسِ ثَوابا
أَتقِنوا يُحبِبكُمُ اللَهُ وَيَرفَعكُم جَنابا
أَرَضيتُم أَن تُرى مِصرُ مِنَ الفَنِّ خَرابا
بَعدَ ما كانَت سَماءً لِلصِناعاتِ وَغابا
أَيُّها الجَمعُ لَقَد صِرتَ مِنَ المَجلِسِ قابا
فَكُنِ الحُرَّ اِختِياراً وَكُنِ الحُرَّ اِنتِخابا
اِطلُبوا الحَقَّ بِرِفقٍ وَاِجعَلوا الواجِبَ دابا
وَاِستَقيموا يَفتَحِ اللَهُ لَكُم باباً فَبابا
اِهجُروا الخَمرَ تُطيعوا اللَهَ أَو تُرضوا الكِتابا
إِنَّها رِجسٌ فَطوبى لِاِمرِئٍ كَفَّ وَتابا
تُرعِشُ الأَيدي وَمَن يُرعِش مِنَ الصُنّاعِ خابا
إِنَّما العاقِلُ مَن يَجعَلُ لِلدَهرِ حِسابا
فَاِذكُروا يَومَ مَشيبٍ فيهِ تَبكونَ الشَبابا
إِنَّ لِلسِنِّ لَهَمّاً حينَ تَعلو وَعَذابا
فَاِجعَلوا مِن مالِكُم لِلشَيبِ وَالضَعفِ نِصابا
وَاِذكُروا في الصَحَّةِ الداءَ إِذا ما السُقمُ نابا
وَاِجمَعوا المالَ لِيَومٍ فيهِ تَلقَونَ اِغتِصابا
قَد دَعاكُم ذَنبَ الهَيئَةِ داعٍ فَأَصابا
هِيَ طاووسٌ وَهَل أَحسَنُهُ إِلّا الذُنابى
ومن أجمل القصائد تلك التي نظمها الجواهري في العمال وهي قصيدة طويلة نقتطف منها:
بكُمْ نبتدي .. وإليكم نعودُ
ومن سَيْب أفضالكم نستزيدُ
ومن فيض أيديكُم ما نَقيت
وما نستجدّ.. وما نستعيد
بكمْ تُبتنى شرفاتُ الحياة
وينشقّ للفجر منها عمود
وممَّا تكّدون تنمو الزروعُ وتغذى الجموع.. وتُكسى الجنود
ولولاكمُ لم يقُمْ معهدٌ
ولا اخضرّ نبتٌ.. ولا رفّ عود
ومن جهدكم دائباً مضنياً
توفر للخير منا جهود
وللشرّ.. حيث الدّمارُ الفظيع
يباد به شيخُكم والوليد
بأيديكم إذ يُشدّ الرُّصاصُ
نموت.. وحين تُصبّ القيود
فنحن إذا شئتمُ والفناء
ونحن إذا شئتمُ والوجود
إذن أنتم الدهرَ من حقّكم
إذا حان يومُكُمُ أن تسودوا
لكم وحدَكم سَيُزَفُّ الثنا
وتُزجَى المنى.. وترِفُّ البُنود
فهل ذاق طعمَ الثناءِ الجهيدُ
ونامت بحضن الوفاء الجهود.
ولم يكن حبر الرواية أقل من حبر الشعر ففي الأدب العالمي مئات الروايات الخالدة في هذا اللون، لعل أشهرها؛ عمال البحر لبلزاك، وغيرها من الروايات.
في عيد العمال تحية لكل عامل أينما كان فهو حجر الأساس في البناء، وما الإبداع إلا رجع صدى لطيب ما يقدمه العمال.