خميس بن عبيد القطيطي- كاتب من سلطنة عمان:
غليان شعبي عالمي يسود الساحات الدولية تجاوباً مع القضية الفلسطينية، مناهضاً للعدوان على قطاع غزة، في ظل نظام دولي جائر لم يستطع إيقاف العربدة الصهيونية والانتهاكات الصارخة للقيم الإنسانية والأعراف الدولية مما وضع المؤسسة الدولية على المحك كشفت عورتها وعوارها عندما ظلت عاجزة عن رفع الظلم والعدوان وعدم القدرة على وقف إطلاق النار في قطاع غزة توازى ذلك مع تخاذل رسمي عربي عن نصرة القضية الفلسطينية وعدم استثمار أي أوراق فاعلة في هذه الجغرافيا العربية فيما يعيش العالم الإسلامي حالة غياب فرضته الجغرافيا السياسية وتجاهل عالمي لحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني الذي ناضل من أجله منذ عام 1917 فقدم هذا الشعب العظيم قوائم من الشهداء وتضحيات جسام في مواجهة الكيان الصهيوني المجرم الذي يتلقى المساندة من قبل قوى دولية هيمنت على القرار الدولي في تحالف شيطاني ضد الإنسانية وضد الأبرياء العزل من المدنيين بل شارك هذا التحالف الإجرامي في ارتكاب مجازر وإبادة جماعية لم يسبق لها مثيل في التاريخ الحديث بلغت حتى الآن سبعة أشهر من العدوان والإبادة الجماعية مع تنفيذ سياسة حصار وتجويع ارتقى خلالها ما يقارب 35 ألف شهيد إضافة إلى 78 ألف مصاب وما تخفيه المقابر الجماعية كفيل بالكشف لاحقاً عن مزيد من الإعدامات الميدانية والمجازر والانتهاكات الصارخة.
فلم يكف النظام الدولي 200 يوم من العدوان لكبح جماح هذا العدو الصهيوني المارق ووقف هذه الجريمة المروعة لتطبيق الشرعية الدولية ورفع المعاناة الإنسانية عن أهلنا بقطاع غزة الصابرة.. تلك المشاهد أدت إلى استنهاض شعوب العالم استنفرت فيه الإنسانية نفسها بعدما تجاوز الإجرام الصهيوني مداه وتجاسرت القوى الداعمة للصهيونية على العدالة الدولية فانطلقت المظاهرات الكبرى في عدد من الجامعات حول العالم توازياً مع الحراك الشعبي العالمي الذي لم يخفت صوته منذ الشهر الأول للعدوان على غزة، لكن هذا الحراك الإنساني المتفاعل مع فلسطين تعرض لمختلف أدوات القمع وخاصة بالولايات المتحدة الأمريكية التي تتشدق دائماً بحقوق الإنسان والقيم الأمريكية لكن يبدو أن هذه القيم الأمريكية كشفت عن نفسها في العدوان الأخير على قطاع غزة عندما أعلنت شراكتها في العدوان على الأبرياء بمشاركة عسكرية وجسور جوية لم تتوقف من الذخائر والأسلحة وحشدت كل قواها السياسية والاقتصادية والعسكرية في دعم العدوان فكان “الفيتو” الأمريكي حاضراً في ثلاث مشاريع قرارات لمجلس الأمن اعتراضاً على وقف إطلاق النار، كل هذه المشاهد والأحداث تابعها الضمير الإنساني العالمي عن كثب وتناقلتها وسائل الإعلام المرئية لحظة بلحظة لتكمل الولايات المتحدة وقوى التحالف الأوروبي المساندة للعدوان الصهيوني مشاهد الجريمة بمجابهة وقمع تلك المظاهرات الداعمة لوقف إطلاق النار ما يعني أن دعاوى القيم الأمريكية والأوروبية سقطت في مستنقعات الظلم والعدوان وأن هذه الجريمة لن تمر إلا على جثمان كل القوى الداعمة للصهيونية بعد تاريخ موغل في الدماء والعدوان.
عندما نتحدث عن بارقة عربية فنحن هنا نتحدث للتاريخ ونعلم أن هذه الأمة قادرة ولديها من أوراق القوة ما يؤهلها لتقول كلمتها لكن للأسف الشديد أن المذلة والمهانة تكتنف المشهد العربي بعدما تخلى العرب عن واجبهم الشرعي والإنساني والعروبي في تجاهل للمادة الثالثة من ميثاق الجامعة العربية التي تدعو إلى صد العدوان أو العدوان المحتمل على أي دولة عربية ونحن عندما طالبنا العرب بتبني موقف عربي جماعي منذ البداية واستخدام أوراق القوة لم يكن الخطاب موجهاً للنظام الرسمي العربي بقدر ما هو خطاب للتاريخ لكن أن يصل النظام العربي إلى هذا المستوى ويقف متفرجاً على العدوان الصهيوني طوال سبعة أشهر يرتكب مجازره بشكل يومي ويستفرد بشعب عربي شقيق يمارس جرائم مروعة فهذا تجاوز النظام الرسمي العربي ليشمل الأمة العربية والإسلامية عن بكرة أبيها، فأين وصل بنا الحال؟!
كانت للأمة العربية مواقف مشهودة سجلها التاريخ في كثير من المحطات التاريخية وفي العصر الحديث أثناء العدوان الثلاثي على مصر وزعت مليون قطعة سلاح على أبناء الشعب المصري بل شارك العرب جميعاً تنديداً بذلك العدوان ووقفت الأمة كلها وقفة رجل واحد ولم يتخل العرب عن دورهم التاريخي كل حسب إمكانياته فأين نحن اليوم عن العام 1960م عندما وقفت سفينة الشحن المصرية كليوباترا في ميناء نيويورك بعدما رفض اتحاد عمال الموانئ في الولايات المتحدة تفريغ السفينة المحملة بالقطن وإعادة شحنها بالقمح في محاولة للضغط على مصر التي كانت تقود قافلة الركب العربي فأطلق الزعيم عبد الناصر نداءه عبر إذاعة صوت العرب إلى العمال في الموانئ العربية للتوقف عن تفريغ وشحن السفن الأمريكية بل شمل الحظر دول أخرى داعمة للصهيونية مما أحدث أزمة عالمية أجبرت الإدارة الأمريكية والرئيس الأمريكي على إنهاء الأزمة فأمر بتفريغ وإعادة شحن “كليوباترا” وهذا الموقف من المواقف التاريخية التي أثبتت فيه الأمة التحامها بقيادتها المحورية، وللأسف الشديد يقف النظام الرسمي العربي اليوم في حالة تخاذل عاجزاً عن إحداث أي ردة فعل يستعيد بها جزء من الكرامة المسلوبة.
* المقال ينشر بالتزامن مع صحيفة الوطن العمانية ورأي اليوم.