ليس سقوطاً في المعيار الأخلاقي على مقياس الإنسانية فحسب ما قاد إليه العمى الاستراتيجي السياسي والعسكري بالانخراط الأميركي بجرائم إسرائيل في غزة بل مجموعة متتالية من السقطات أحدثت تصدعاً في بنية ديمقراطية أميركية مزعومة لطالما غزت الدول بذريعة صونها.
فشراكتها بالإبادة الجماعية وإغداقها الكبير للأسلحة الفتاكة لـ”إسرائيل” باتت اليوم الرصاصة التي اخترقت حاجز الصمت وفتحت نافذة تطل على المشهد في منطقتنا بلا تزييف، وأصبح الأميركيون ومنهم طلبة جامعاتها يرون ما تقترفه من فظائع ويرفضون ادعاءات إدارتهم لتسويغ استمرار فصول الإبادة بغزة.
فما توثقه المشاهد من الجامعات الأميركية من انتفاضات غضب على السياسة الأميركية حدث تداعياته مهمة قادت لشق ثوب ديمقراطية الثعالب وبانت بكل وضوح الأنياب التي تقطر منها دماء الأبرياء.
فما بين اقتحامات وحشية للجامعات لفض اعتصامات طلبة يناصرون الحق الفلسطيني في وجه الوحشية الإسرائيلية والسلوكيات المشينة بحقهم لخنق صرخات من نزعوا عن أعينهم غشاوة التضليل وأدركوا عار انغماس بلادهم في الجريمة، وبين تعاظم سخط الوجدان العالمي، بات المشهد ضاغضاً على إدارة بايدن لجهة شعارات حرية زائفة لطالما استخدمتها واشنطن في سوق النخاسة الديمقراطية لتسويغ غزو الدول، وأكثر ضغطاً لجهة البحث عن مخارج من مأزق شراكتها المثبتة بالإجرام، لذلك نلحظ التهافت الأميركي للمنطقة وزيارات بلينكن المكوكية لامتصاص الغضب وذر غبار الهدن في عيون الراي العام.
إذاً العرج السياسي والإنساني لإدارة بايدن هو عنوان المرحلة، فالتعثرات في الحقول السياسية والأخلاقية باتت بالجملة، وعكازات الوساطات لتمرير هدن ملغومة تنقذ نتنياهو وتجمل صورة “دولة عظمى” التي يحاول بايدن الاتكاء عليها لتهدئة غليان الجامعات الأميركية وامتصاص فورة الوجدان العالمي، باتت عكازات مهترئة نخرها سوس الأكاذيب ولن يصلح بايدن ما أودت إليه حماقات الشراكة المخزية مع كيان دموي.
رغم هول الفجيعة وآلاف الضحايا انتصرت غزة وأعادت للقضية الفلسطينية وهجها الذي جهدت أميركا والغرب السفيه لإطفاء نوره، وعاد الدفق الإنساني إلى شرايبن الوجدان العالمي، وما الحراك الطلابي في أميركا وكندا وأوروبا إلا إسفين جديد يدق في نعش طمس الحقوق وتصفية القضية الفلسطينية.