الثورة – السويداء – رفيق الكفيري:
ليست الكتب والأوراق وحدها التي تضيق بقصص وحكايا شهداء الوطن الذين ارتقوا إلى العلا وهم يذودون عن الديار، بل الكون بأسره لا يتسع لمن بذل روحه رخيصة فداء للوطن وللأرض والعرض، في عيدكم عيد المجد والخلود، شهداء الوطن الأبرار تتلعثم المفردات وتعجز الكلمات وتخجل جميع اللغات ويضمحل خيال المبدعين عندما يراد بها وصفكم ومديحكم، كيف لا والأرض لفدائهم مادت، والعلم الوطني من أوردتهم صنع جناحيه، والمستقبل على أضلاعهم أسند بنيانه، اختصرتم قيم الحياة بكلمة واحدة وفعل واحد هو الشهادة، فأنتم الممتدون في الأزل الواصلون إلى الجنة.
فالشهادة خلود وأمانة ومن أكثر أمانة منكم أيها الشهداء الذين أديتم واجبكم بأمانة وإخلاص، ومن أكثر منكم كرماً أولستم أنتم من كرمكم الله بأن جعلكم أحياء عنده ترزقون، ووصفكم القائد المؤسس حافظ الأسد أنكم “أكرم من في الدنيا وأنبل بني البشر” ، فأنتم لا يمكن للموت أن يغيبكم ولا للسنين أن تطويكم لأنكم بحجم الوطن والوطن لا يموت أبداً.
قدر سورية الأبية منذ قرون وحتى وقتنا الحالي أن تقدم قوافل الشهداء.. قافلة تلو الأخرى في معارك البطولة والتضحية ضد الاستعمار بكل أشكاله وألوانه وأنواعه والمتآمرين ومن سولت لهم أنفسهم العبث بأمن واستقرار سورية ووحدتها الوطنية، وبفضل دماء الشهداء وتضحيات أبناء سورية الشرفاء كانت النتيجة دوماً انتزاع النصر ودحر المحتلين وتحقيق السيادة الوطنية.
وأبناء جبل العرب كغيرهم من أبناء شعبنا المناضل في سورية خاضوا معارك عديدة ضد الاستعمار بجميع أشكاله وألوانه وقدموا التضحيات الجسام من أجل الحرية، ففي أيام الاحتلال العثماني أصدرت المحكمة العرفية بدمشق حكمها بالإعدام شنقاً على عدد من أعيان الجبل وهم ذوقان الأطرش- يحيى عامر- مزيد عامر- هزاع عز الدين محمد القلعاني- حمد المغوش، ونفذ الحكم على دفعتين في شهر آذار عام 1911 في ساحة المرجة بدمشق لتبدأ القافلة الأولى من الشهداء على مذبح الحرية.
وكانت قافلة الشهداء الثانية والثالثة في عامي 1915 – 1916 على يد جمال باشا السفاح فقد أعدم 11 شهيداً عام 1915 و22 شهيداً في السادس من أيار في كل من ساحة المرجة بدمشق وساحة الحرية في بيروت، ووصل عدد شهداء جبل العرب خلال معاركه ضد الاحتلال العثماني إلى أكثر من 1350 شهيداً ومعارك الثورة السورية الكبرى أكثر من 4000 شهيد، ولم يكن شهداء السادس من أيار الذين لا تزال قاماتهم شامخة تملأ ساحتي المرجة والحرية في دمشق وبيروت.
فمنذ أكثر من مئة عام وقوافل الشهداء أيام الاحتلالين العثماني والفرنسي لم تكن سوى أولى القوافل التي عبرت على جسر الحرية لتسير عليه قوافل الشهداء في معارك البطولة ضد الاحتلال الصهيوني في حرب تشرين التحريرية وفلسطين ولبنان والعراق ضد الاحتلال الأميركي.
ما أشبه الأمس باليوم، فالتاريخ يعيد نفسه، فسورية التي تتعرض منذ نحو 13 عاماً لحرب كونية حيث تكالبت عليها قوى الشر والبغي والعدوان من كل حدب وصوب للنيل من صمودها وكل مقومات وجودها، وما زالت ولادة للأبطال الميامين الذين سطروا التاريخ بأحرف من ذهب دفاعاً عن وطنهم وستبقى الشهادة (قيمة القيم وذمة الذمم) فأحفاد يوسف العظمة والشيخ صالح العلي وإبراهيم هنانو وأحمد مريود وحسن الخراط ومحمد الأشمر وفوزي القاوقجي وسلطان باشا الأطرش والقائد المؤسس حافظ الأسد هم الذين يسطرون اليوم أروع ملاحم البطولة والفداء في تصديهم للإرهاب والإرهابيين على امتداد مساحة الوطن ويحملون الرسالة المستمدة من إرث الآباء والأجداد رسالة القوة والبسالة والشجاعة، فقد وصل عدد الشهداء من أبناء جبل العرب الأشم خلال الحرب الكونية التي شنت على الوطن إلى 3500 شهيد، ودماء الشهداء هي التي تصنع الأعياد والشهداء لا يموتون لأنهم بحجم الوطن والوطن لا يموت أبداً، ولن تغيبنا السنون لأننا أغنيناها بفعل الشهادة، وإن وطننا منتصر على أعدائه لا محالة.