الثورة- حسين صقر:
قال جبران خليل جبران: «هناك من يخلق الأعذار ليرحل، وثمة من يخلق الأوهام ليبقى»، والحقيقة أن بين الصنفين بون شاسع، فالأول يبحث عن السلبيات وهو طبع متأصل فيه، وينسى كل الإيجابيات التي فعلها هذا الشخص أو ذاك معه، حتى يصل إلى قرار الرحيل والمغادرة وقطع كل الصلات مع من يود تركه، بينما الصنف الآخر يبحث عن مبررات قد تكون وهمية بهدف البقاء والحفاظ على الود، سواء أكان الطرف الآخر أخاً أم صديقاً أو زميل عمل، المهم في الأمر أنه يلتمس لذلك الشخص عذراً، على عدم التواصل والرد والزيارة أو المخالطة.
ومن منا لم تصادفه تلك الحالات، إذ تحدث في مواقع العمل، ومع الجيران، والأهل والخلان، إذ نرى شخصاً من بين هؤلاء وقد قطع علاقته بنا فجأة دون سابق إنذار، ولا نعلم حتى خطأنا، لأنه لم يترك لنا مجالاً بالأصل للدفاع عن موقفنا الذي أخذه منا بشكل كيفي، في الوقت الذي يخلق فيه آخر عذراً وهمياً للبحث عنا والتواصل وحفظ ذلك الود، وأحياناً يكون أحدنا في دور الاثنين معاً، فإذا كنا ممن يبحثون عن السلبيات والحجج الواهية، فهذا يعني أن لا قيمة للشخص الذي قاطعناه لدينا ولا مكانة، وكل ما كان في السابق هو مجرد أوهام ليس إلا، أو قد يكون مداراة لبعض المصالح الآنية التي نحن بحاجتها، وهذا يعني في حقيقة الأمر أن القيمة التي لم نجعلها لذلك الشخص، هي قيمتنا وليس قيمته، لأن من يحترم نفسه يحترم الآخرين، ومن يحرص على ذاته يحرص أيضاً على هؤلاء، حيث من الضروري أن يقيس ألم الظلم الذي أوقعه على هذا الإنسان على نفسه أولاً، وعلى مبدأ» حط أصبعك بعينك».
أما من يخلق الأوهام ليبقى، فذلك شخص أصيل ويتمتع بصفة الوفاء لكل من حوله، ويعترف بكل جميل فعله معه، ولهذا تراه يتذكر كل تفصيل فيما إذا تسبب بإزعاج لغيره، وتراه يلتمس الأعذار للناس وإن قاطعوه فترة، ويقول ربما ظروف طارئة منعتهم عن التواصل معي.
السلبيون في مجتمعنا ليسوا كثراً، وهم أقل ممن يتمتعون بأفكار إيجابية، وكل يرى الآخرين بعين نفسه، فلا تنتظر من المنافق أن يراك صادقاً، ولا من البخيل أن يراك كريماً، ولا من الأناني مضحياً، وبالعامية يقولون: « إن من يسرق يخاف على رزقه وممتلكاته من السرقة، ومن اعتاد الاستخفاف بأعراض الناس يخاف على أهل بيته لدرجة مبالغ فيها، ومن يصدق في علاقاته وتعاملاته، يظن الصدق عند الجميع».
البحث عن الأعذار بهدف الحفاظ على الود ثقافة، وطبع يدل على نقاء الإنسان وطيبه وتربيته، فيما البحث عن أعذار سلبية بهدف الرحيل تدل على اسوداد القلب وظن السوء.
والإنسان كلما ارتقى بتفكيره التقى مع الآخرين، وكلما هبط بذاك التفكير وأخذته ظنون السوء وعدم الفهم الصحيح والاستماع للفتن والقيل والقال كلما دنا وسقط في نظر الفرد والمجتمع، وكلما قتلته الغيرة والحسد.
التمس لأخيك عذراً تعش بسلام، ولا يوجد شخص في هذه الحياة يعيش وحيداً، والناس يكملون بعضهم، ما خلا من لديهم الكثير من عقد النقص التي يريدون تعويضها في الاستعلاء والتكبر.