الثورة – ترجمة ختام أحمد:
التحدي الأكبر الذي يواجه المجتمع الغربي، والمسؤول الأول أيضاً عن انحداره المطرد، هو المعايير المزدوجة التي يمارسها تجاه كافة القضايا ذات الأهمية العالمية.
لقد أدت المعايير الغربية المزدوجة إلى تشويه سمعة المؤسسات والأنظمة والأمن في الدول الغربية. وعندما يتم تطبيق معايير متضاربة على مواقف مماثلة، ينمو الإحباط.
وتكشف هذه الممارسة أيضاً عن الفصام الغربي فيما يتعلق بالمعايير الأخلاقية والاجتماعية والسياسية. ونتيجة لهذا فقد حل محل الاتساق والتماسك ــ وهما من السمات المهمة للإنسانية ــ التناقض والتنافر، والأمثلة كثيرة في تصرفات الدول الغربية.
على سبيل المثال، تعد مقارنة مسألة تايوان بالأزمة الأوكرانية أحد الأخطاء الأكثر شيوعاً التي ترتكبها وسائل الإعلام والمحللون الغربيون. تسعى مثل هذه المقارنات السطحية إلى تبسيط قضيتين مختلفتين ومعقدتين وصعبتين للغاية.
إن مسألة تايوان تشكل شأناً داخلياً للصين، في حين تشكل الأزمة الأوكرانية قضية قانونية دولية ناجمة عن توسع منظمة حلف شمال الأطلسي المستمر نحو الشرق لتقييد قدرة روسيا على العمل على المستوى الدولي.
إن مسألة تايوان والأزمة الأوكرانية أمران مختلفان وفقا للقانون الدولي.
وتتعلق مسألة تايوان بإعادة توحيد جزيرة تايوان مع الوطن الأم وتطبيق مبدأ صين واحدة.
من ناحية أخرى، أكدت موسكو أن تحركاتها تهدف إلى حماية ذوي الأصول الروسية في أوكرانيا ومنع أوكرانيا من الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) وإيصال التحالف العسكري الغربي إلى عتبة بابها وبالتالي تشكيل خطر أمني كبير.
لكن وسائل الإعلام الغربية تتعمد خلط هذه القضايا. ظلت تايوان جزءا لا يتجزأ من الصين منذ العصور القديمة.
وعلى نفس القدر من الأهمية، ينص قرار الأمم المتحدة رقم 2758 بوضوح ودون لبس على أن تايوان جزء لا يتجزأ من الصين، وأن معظم دول العالم تلتزم بمبدأ الصين الواحدة.
ومع ذلك، بعد اندلاع الصراع الروسي الأوكراني، قامت وسائل الإعلام الغربية الكبرى بمقارنة الصراع الأوكراني بشكل خاطئ بمسألة تايوان، مما يشير بشكل أساسي إلى أن الصين ستتبع خطى روسيا للقيام بعمل عسكري ضد الجزيرة لتحقيق إعادة التوحيد الوطني. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الصين ظلت تسعى لتحقيق هدف إعادة التوحيد الوطني لأجيال عديدة، منذ عام 1949، أي قبل الأزمة الأوكرانية بوقت طويل.
علاوة على ذلك، فإن مثل وسائل الإعلام هذه لا تأخذ في الاعتبار أبداً تلك الأصوات في الجزيرة التي تسعى إلى إعادة التوحيد السلمي. ومن خلال تشجيع القوى الانفصالية في الجزيرة على تكثيف تحركاتها وبيع أسلحة بقيمة مليارات الدولارات إلى الجزيرة بحجة حماية المصالح الأمريكية في آسيا، تتدخل واشنطن بشكل صارخ في الشؤون الداخلية للصين وتتسبب في عدم الاستقرار الإقليمي.
إن “القرن الآسيوي” يبشر بفترة من السلام والوئام العالمي، وخاصة وأن تاريخ آسيا كان أقل ميلاً إلى القتال في القرون الأخيرة مقارنة بالغرب.
علاوة على ذلك، تقود الصين الجهود العالمية لتحسين الحوكمة العالمية للمساعدة في بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية، حيث لا مكان للحروب والفوضى. وفي المقابل، تعمل الولايات المتحدة على تعزيز عدم الاستقرار العالمي للحفاظ على هيمنتها العالمية.
ومن خلال اللجوء إلى المعايير المزدوجة، خلقت الدول الغربية تحديات خطيرة لدول أخرى. وفي حالة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فمن الواضح أن السياسة التي تنتهجها “إسرائيل” في القضاء على “حماس” تتجاهل الإجراءات الوقائية الرامية إلى تقليص الخسائر في صفوف المدنيين.
وتشكل سياسات الهجرة غير المتماسكة التي ينتهجها الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه، والتي تهدف في الأساس إلى منع دخول الأجانب إلى الاتحاد الأوروبي، مثالاً رئيسياً آخر على المعايير الغربية المزدوجة. تسعى الدول الأوروبية الآن إلى حماية نفسها من العواقب السلبية لحكمها الاستعماري، الذي تسبب في الكثير من المعاناة لشعوب بلدان الجنوب العالمي ودفع بالعديد منها إلى عدم الاستقرار السياسي.
علاوة على ذلك، فإن سياسات التدخل الغربية لتعزيز ما يسمى بالديمقراطية في بلدان أخرى لم تؤدي إلا إلى تدهور الوضع في تلك البلدان. وتُعَد أفغانستان والعراق وليبيا، على سبيل المثال لا الحصر، أمثلة واضحة على غطرسة الغرب وموقفه العارف بكل شيء، والذي حكم على الملايين من الناس بالموت، وعدم الاستقرار الاقتصادي، والفوضى السياسية.
إن الغرب يفشل بسبب معاييره المزدوجة، ورفضه الاعتقاد بأن العالم يحتاج إلى السلام والرفاهية والاستقرار. ويرفض الغرب بقيادة الولايات المتحدة أيضاً أن يتقبل فكرة أن قضية تايوان هي شأن داخلي للصين ويستمر في التدخل فيها لتحقيق أهدافه السياسية الضيقة.
إن حرب فيتنام التي أودت بحياة الملايين والتأثير المستمر للعامل البرتقالي على الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا يجب أن تكون بمثابة تذكير دائم بأن الغرب يخلق مشاكل في كل قضية يتدخل فيها ولكنه لا يستطيع حلها أبداً.
المصدر _ تشاينا ديلي