الملحق الثقافي- حبيب الإبراهيم:
يُعدّ الكِتاب أحد أهم مصادر المعرفة التي يستمد منها الإنسان ثقافته، والبوابة المفتوحة لتنوير العقل وتهذيب النفس، ومن خلاله يُتاح للمرء الإطلاع على تاريخ وثقافات الشعوب والأمم الأخرى، لذلك قيل فيه الكثير… عن أهميته وواقعه ودوره التنويري والتثقيفي، وخاصة في مراحل ما قبل الثورة الرقمية، وتفجر المعرفة وظهور الشابكة العالمية ووسائل التواصل الاجتماعي، فهو المعلّم بلا معلّم، هو المركب الذي يسافر فيه الإنسان بلا شواطىء وأشرعة … فكان (خير ُ جليس) وخير أنيس، هو الصاحب والرفيق الذي لا تملّ صحبته، هو الصاحب الوفي، لذلك قال فيه أمير الشعراء أحمد شوقي:
(أَنا مَن بَدَّلَ بِالكُتبِ الصِحابا
لَم أَجِد لي وافِياً إِلّا الكِتابا)
في مراحلنا العمريّة الأولى – جيل الستينيات – كان من الصعب جداً اقتناء الكتب، وهي نادرة في بيئة ريفية نائية، حتى الجريدة كانت بعيدة عن تناول اليد، في هكذا ظروف ثمّة محاولات لنشر الكتاب في الأرياف البعيدة عن مراكز المدن، ولعلّ تجربة الوحدة الثقافية المتنقلة، والتي تتبع للمركز الثقافي في حماة، تُعد ّ تجربة رائدة في تلك الفترة، أي منتصف السبعينيات، والوحدة الثقافية المتنقلة عبارة عن سيارة بيك آب مغلقة فيها كتب منوعة تتم إعارتها لمن يرغب لمدة شهر ثم تتم إعادتها.
هذه التجربة لا زالت تفاصيلها في الذاكرة وساهمت بدفعنا للقراءة والمطالعة حتى أصبحت (سوسة) لدينا.
مع الزمن تطورت وسائل توزيع الكتاب من خلال المكتبات المدرسية رغم فقرها بالعناوين الجديدة، لكنها تسهم بشكل أو بآخر في توفير الكتاب المجاني، إلى جانب معارض الكتب الثابتة والموسمية أو في المناسبات، وبما أننا في شهر الكتاب السوري والذي يمتد ما بين 2024/5/12ولغاية 2024/6/12 في جميع المراكز الثقافية ونوافذ بيع كتب الهيئة العامة السورية للكتاب والمعارض الدائمة في (جامعة دمشق – كلية الآداب / جامعة تشرين) .
لا شك أن تجربة وزارة الثقافة تجربة رائدة وإيجابية وتسهم في نشر الكتاب ووصوله إلى أوسع شرائح المجتمع وخاصة طلبة الجامعات، تشكّل تظاهرة ثقافية مهمة وتعمل على تشجيع مرتادي تلك المعارض على شراء الكتب مع الحسومات المجزية والتي تصل إلى %50 من منشورات وزارة الثقافة والهيئة العامة السوريّة للكتاب.
لكن ثمة ملاحظات لا بد من ذكرها فيما يتعلق بشهر الكتاب:أولا التوقيت، إذ نعلم جميعاً أن هذه الفترة فترة امتحانات وتحضير للامتحانات وخاصة مرحلة التعليم الأساسي والثانوية ومن الصعوبة بمكان على الطالب والأهل التوجه إلى تلك المعارض في ظل ضغوطات الامتحانات والحالة النفسية للطلاب، وحتى تكون النتائج بحجم الجهود والنيات والأهداف النبيلة لوزارة الثقافة فإنه من الأهمية بمكان تعديل التوقيت كأن يكون في الربيع أو الصيف أو أي فترة بعيدة عن الامتحانات.
الملاحظة الثانية أن تلك المعارض تتركز في الجامعات والمدن، وفي ظل ظروف النقل والمواصلات قد يتعذر على الكثيرين الوصول إلى تلك المعارض، وبالتالي يمكن إعادة إحياء تجربة الوحدات الثقافية المتنقلة، أو التنسيق مع وزارة التربية بإقامة معارض في تجمعات المدارس الكبيرة وتخصيص إصدارات تتناسب مع الناشئة وقضاياهم.
يظل السؤال المطروح هل واقع الكتاب في سورية يلبي الطموح؟
هل يمكن تجاوز عثرات وصعوبات النشر والطباعة ودعم الكتّاب والأدباء مادياً كي يتمكنوا من نشر نتاجهم بيسر وسهولة؟
اليوم ومع ارتفاع أسعار الورق ومستلزمات الطباعة عالمياً، لا بد من تضافر جميع الجهود سواء أكانت دور نشر عامة أم خاصة لنشر الكتاب الذي كان وسيبقى أحد أهم وسائل نشر المعرفة والمعلومة وبناء الشخصية.
وهنا لا بد أن نشير إلى ضرورة نشر(الكتاب الشعبي) الذي ننتظره، ويمكن أن يسهم في توفير الكتاب بأيسر السبل ولكافة شرائح المجتمع.
ولا بد أن نشير وبإيجابية إلى تجارب بعض الصحف والمجلات التي كانت تصدر ورقيّاً في سورية بإصدار كتب، أو كتيبات شهرية مجانية مثل :صحيفة البعث، تشرين، الثورة، مجلة الموقف الأدبي، مجلة أسامة…
هذه التجارب لاقت قبولاً كبيراً من القرّاء والمهتمين، وتسهم في نشر الكِتاب وضمان وصوله إلى المناطق البعيدة والنائية..
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل تراجعت مكانة الكِتاب الورقيّ مع انتشار (الكِتاب الإلكتروني) والذي أصبح سائداً ومعتمداً حتّى من دُور نشر وهيئات تهتم بالكِتاب وإصداره؟؟
لا شك أن الثورة الرقمية وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي سحبت نسبيّاً البساط من تحت الكتاب الورقي الذي تراجع تعداده، لكن لم يتراجع دوره وأهميته في عملية نشر الثقافة والمعرفة لأنه يوثق مادياً للكتابة والإبداع، وبالتالي الكِتاب الورقي هو الذاكرة الحيّة لأي أمة تعمل على بناء حضارتها، ورفع مكانتها وتأصيل دورها، فالفضاء الأزرق ذاكرة هشة وهمية يمكن وبلحظة واحدة أن تتلاشى وتذهب أدراج الرياح؟
قولاً واحداً يظل الكتاب الشعبي الفرصة المناسبة التي يمكن من خلالها طرح عناوين جديدة تتناسب مع تطلعات واهتمامات القراء على اختلاف أعمارهم وميولهم وتطلعاتهم، وضمان وصول الكتاب إلى أوسع شرائح المجتمع، وتشجيع القراءة وتحفيز المتميزين من خلال تنظيم مسابقات خاصة بهذا الشأن، ومنح الفائزين جوائز عينية ونقدية مجزية، وتشجيع الأدباء على التأليف والنشر وزيادة الحوافز المادية والمعنوية، وهنا لا بد أن نُشيد بتجربة وزارتي التربية والثقافة بإطلاق مسابقة تحدّي القراءة والتي دخلت موسمها الثامن، وهي تجربة مهمة وشاملة تستحق الاهتمام و الاحتفاء بمواهب واعدة على طريق المعرفة والأدب.
صحيح أن ثمّة احتفالات واهتماماً بالكِتاب في اليوم العالمي للكِتاب والذي تم تحديده في الثالث والعشرين من نيسان، من قبل المنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم، لكن حتى يأخذ الكِتاب حقه يجب أن يكون الاهتمام والاحتفاء به طوال العام وهذا بكل تأكيد يتطلّب تعاون وتضافر كل الجهات المعنيّة بالكِتاب تأليفاً وطباعة وتوزيعاً، وهذا ما نأمله.
وسنبقى نردد مع المتنبي، مالىء الدنيا وشاغل الناس:
(أَعَزُّ مَكانٍ في الدُنى سَرجُ سابِحٍ
وَخَيرُ جَليسٍ في الزَمانِ كِتابُ)
العدد 1191 – 28 -5-2024