الملحق الثقافي- شوقي بدر يوسف:
تعتبر الكاتبتان وداد سكاكيني وروز غريّب وهما من كاتبات النصف الأول من القرن العشرين من الكاتبات اللاتي قد برعن في استنشاق رحيق الحياة الإبداعية من خلال ما تمنحه لنا هذه الحياة من جماليات الفن ورحيق الأدب، ومثل ما جمعهما فن القص كلّ بطريقته الخاصة جمعتهما رؤية واحدة في الكتابة عن رائدة من رائدات الأدب في العالم العربي وهي الآنسة «مي زيادة»، فقد صدر لوداد سكاكيني كتابها «مي زيادة حياتها وآثارها» وصدر لروزغريّب كتاب مشترك تحت عنوان «التوهج والأفول.. مي زيادة وأدبها» بالاشتراك مع أفلين عقاد. ولعل الجانب الثري في حياة هاتين الكاتبتين، وداد سكاكيني، وروز غريّب، هو اجتماعهما في بوتقة إبداعية واحدة حول النص القصصي والنص النقدى الموازي له، حيث كتبت كل منهما في مجالات القصة والرواية والسير الغيّرية نصوصاً إبداعية، غير أنهما اختلفتا في طريقتي التعبير، فقد كتبت وداد سكاكيني في مجالات القصة القصيرة خمس مجموعات هي «مرايا الناس» 1945، «بين النيل والنخيل» 1947، «الستار المرفوع» 1955، «نفوس تتكلم» 1962، «أقوى من السنين»1980، كما صدر لها روايتا «أروى بنت الخطوب» 1949، «الحب المحرم» 1953. في حين أن روز غريّب صدر لها في النص للكتابة الإبداعية دراسات «النقد الجمالي وأثره في النقد العربي» 1952، «نسمات وأعاصير في الشعر النسائي العربي المعاصر» 1980، هذا علاوة عن ثلاث مجموعات قصصية هي «خطوط وظلال» 1958، «نور النهار» 1974، «رواق اللبلاب» 1983، ورواية واحدة هي رواية «المعنى الكبير» 1971. وتمثل هاتان الكاتبتان في الريادة الفنية لأدب المرأة في لبنان علامة فارقة بين القديم والحديث، وتعتبر وداد سكاكيني من الكاتبات اللاتي كانت تبحث لنفسها دائماً عن التميز والتفرد والجدة في إبداعها ظهر ذلك منذ حداثة نشأتها حيث سبق أن فازت بالجائزة الأولى لمجلة «المكشوف» في مجال القصة القصيرة عن قصتها «الشيخ حمدى» عام1932، وقد قال عنها الدكتور طه حسين»:اقرأ هذه الكاتبة بروية، فهي مجلية في البحث وأدب السيرة». وقال عنها الدكتور محمد مندور حين طالع إبداعها القصصي والروائي»:كتبت وداد سكاكيني القصة والرواية قبل أن تشيع عن وطننا العربي فكرة الالتزام بالأدب، فقد اهتدت في أدبها القصصي إلى هذه الفكرة بوحي من ذاتها وإحساس صادق بحاجات المجتمع». كما قالت عنها أمينة السعيد «:حين يرد ذكر وداد سكاكيني، يعتبرها كلّ شعب عربي واحدة منه، فاللبنانيون يعتزون بجنسيتها، والسوريون يتمسكون بتوطنها وهويتها، والمصريون يرون في إنتاجها أصدق صورة للعقلية الأدبية المصرية، والحقيقة أنهم جميعاً مصيبون، ففي وداد سكاكيني نفحة من لبنان وعمق من سورية وحساسية من مصر، وهي إذ تكتب تحملك على أجنحة الأدب في آفاق هذه المجموعة من الصفات الثمينة»، ومن السمات المهمة في أعمال وداد سكاكيني القصصية أنها كانت تهتم بالصورة القصصية الحاملة لمفردات البيئة التي تعبّرعنها والتقاليد والعادات الشعبية المتناثرة في كثير من أعمالها القصصية المبكرة والمتأخرة. أما روز غريّب فقد كانت علاوة على المجالات الإبداعية المختلفة التي برعت فيها فقد انشغلت بجانب ثري من جوانب الإبداع القصصي والنقدي والتمثيلي وهو جانب الطفل، فقد انشغلت روز بأدب الأطفال وجاءت أعمالها في هذا المجال بطريقة تبدوعفوية وتلقائية لعب فيها الخيال والواقع دوراً ملموساً في مد مكتبة الطفل بهذه الأعمال القصصية الآسرة الحاملة لمضامين براءة الطفل، وعمق الرؤية وسلاسة الفكرة وبساطة اللغة ما جعل أعمالها في هذا المجال إضافة مهمة في وقت مبكر لأدب الطفل في لبنان والعالم العربي.
وفي معرض حديثنا عن هاتين الكاتبتين اللتين كانتا في يوم من الأيام حاضرتين بإبداعهما، ومضيئتين للمشهد الأدبي في سورية ومصر ولبنان، نعرض لواحدة من قصصهما في هذا العرض القصير لملامح من عالمهما الإبداعي الذى يمثل لكل منهما سمة تميز لها خصوصيتها الذاتية ففي قصتي «وساوس» لوداد سكاكيني، و»فندق الجبل الأخضر» لروز غريّب نجد أن عالم المرأة هو المحورالرئيسي لموضوع القصتين، وأن هناك شبه تناص بين ما يدور في مخيلة الشخوص الرئيسية في النصين المنتخبين لهاتين الكاتبتين «ماري» في قصة روز غريّب، وهذه المشهدية الحكائية المتحلقة حول ممارسات المرأة في محيطها وحياتها الخاصة وصداقاتها الذاتية، و»تهاني» في قصة وداد سكاكيني، ونفس التيمة المتحلقّة حول الصداقة من خلال فنانة تشكيلية تحاول تجسيد واقع ذاتي لكنّها تقّع في خلق تشوهات لواقعها، تماماً كما فعل بيغماليون مع تمثاله الذى صنعه بيديه وتخيّل أن الحياة دبت فيه. الشخصيتان في القصتين يعملان على الوتيرة نفسها، فكل منهما تعمل هواجسها الذاتية وبوحها في تحريك الحدث الذاتي إلى ما تريد أن تعبّر عنه الكاتبة وتجسده في محيط هواجس المرأة ووعيها الذاتي بأحوالها وما يدور حولها من أمور نفسية، وحياتية تراودها في كلّ لحظة من حياتها.
العدد 1191 – 28 -5-2024