الثورة – متابعة عبد الحميد غانم:
بدعوة من مؤسسة القدس الدولية – سورية واللجنة الشعبية السورية لدعم الشعب الفلسطيني ومقاومة المشروع الصهيوني والفصائل الفلسطينية المقاومة، ندوة اليوم الأربعاء، بعنوان (هل النظام الدولي الجديد قادم؟ والدور العربي)، وقد ألقى خلالها السفير أنور عبد الهادي مدير عام دائرة العلاقات العربية لمنظمة التحرير الفلسطينية، محاضرة تحت عنوان “اسس انهيار النظام الدولي القائم وتشكيل نظام دولي متعدد الأقطاب والدور العربي ” وذلك في المركز الثقافي العربي بأبي رمانة.
وأدار الندوة الدكتور خلف المفتاح المدير العام لمؤسسة القدس الدولية – سورية.
في بداية المحاضرة تحدث السفير عبد الهادي عن هيمنة القطب الواحد على العالم والذي تتسيّده الولايات المتحدة الأمريكية من خلال ثلاث مؤسسات سياسية واقتصادية وعسكرية وهي: الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي والبنك الدولي، مشيراً إلى أن القوة الأميركية التي توحشت في بعض ممارساتها، لم تتورع في استخدام السلاح النووي في الحرب العالمية الثانية عام 1945م في هيروشيما وناجازاكي باليابان، واستخدمت القوة في مناطق متعددة من العالم، ودعمت الكيان الصهيوني وتكفلت بحمايته وتحقيق أمنه منذ زراعته في قلب الوطن العربي عام 1948م واستخدمت الفيتو ضد قرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة بالحقوق الفلسطينية، والعديد من المواقف الدولية الأخرى التي لم تعبِّر فيها الولايات المتحدة عن مسؤوليتها الأخلاقية في قيادة العالم، ما أدَّى إلى إلحاق الظلم بالأمم والشعوب الأخرى، وهذا الواقع هو ما سيؤدي إلى أفول نجم هذه القوة العالمية.
وتطرق السفير عبد الهادي خلال المحاضرة إلى أسباب فشل النظام العالمي الأحادي القطب والضرورة إلى إيجاد نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب معللا فشل القطبية الواحدة من خلال عدم الوصول إلى أي حل في قضايا الاحتلال والأرض والمناخ، واتساع طبقة الأوزون والغازات المنبعثة والتلوث، ومشاكل عالمية أخرى، والتي يتحمل مسؤوليتها وتفاقم ظواهرها وأسبابها القوى الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة.
وأشار السفير عبد الهادي خلال المحاضرة إلى تدافع قوى دولية باتجاه المنافسة مثل الصين التي غزت العالم صناعياً واليابان وألمانيا اللتين تقدمتا في المجال التكنولوجي، ما شكَّل منافسة عالمية قوية متعددة، أما في المجال العسكري فهناك تقدُّم روسي بخطوات واثقة نحو المنافسة، بل شكلت روسيا ندًّا قويًّا للولايات المتحدة في عدد من الملفات السياسية، واستطاعت أن تكسب الرهان، كما حدث في شبه جزيرة القرم وفي سورية أيضاً.
كما أشار عبد الهادي إلى بروز خريطة من التكتلات التي ستشكل النظام العالمي القادم مثل مجموعة البريكس التي تُمثِّل قوة صناعية وتنموية صاعدة، حيث تمثل هذه المجموعة ربع مساحة العالم من اليابسة و40% من سكان العالم، والأهم في هذا التجمع أن هدفه الرئيس هو خلق نظام عالمي متعدد الأقطاب.
وتابع: إنه بلا شك أن النظام المتعدد الأقطاب يؤمل فيه الحفاظ على الاستقرار العالمي بشكل أفضل من احتكار السلطة السياسية والاقتصادية تحت هيمنة قطب واحد وإعطاء الشعوب حقوقها.
وذكر السفير عبد الهادي خلال المحاضرة الأسباب التي تدل على نهاية الهيمنة الأمريكية على العالم من خلال فقدانها للمصداقية بشكل مطلق بسبب دعمها اللامحدود للكيان الإسرائيلي ومشاركتها بالعدوان على الشعب الفلسطيني وحرب الإبادة ضاربة كافة المبادئ التي تتبجح بها ((ديمقراطية – حرية – حقوق انسان – قانون دولي )). وأيضا التدهور الاقتصادي النسبي، الذي تعــاني منه الولايات المتحدة في الوقت الحاضر، والذي بدأ ينهكها وخاصة بعد أزمة كورونا. إضافة إلى فشلها في منع الصين من تعزيز قوتها، ومحاولتها لترويض خصومها مثل ( إيران وكوريا الديمقراطية)، وانسحابها من أفغانستان والعراق.
مشيرا بأن النظام العالمي الجديد قادم، وسيكون نظام الأقطاب المتعددة وقد يستغرق “استتباب” نظام الأقطاب المتعددة هذا بعض الوقت من سنة إلى ثلاث سنوات.
وتطرق السفير عبد الهادي إلى أهمية ومميزات نظام تعدد القطبية حيث توجد مرونة ومتسع يضم انتماءات فكرية متنوعة دون جمود إيديولوجي.
وتابع: في النظام الثنائي القطبية توجد حالة استقطاب إيديولوجي، حيث يستخدم كل قطب أيديولوجيته كوسيلة لجذب آخرين نحوه وتأليبهم على القطب الآخر وأيديولوجيته. أما في النظام أحادي القطبية فتسود أيديولوجيا القطب العالمي الأوحد الذي يسعى إلى فرض أيديولوجيته على الآخرين.
وأشار إلى أن نهاية سيطرة القطب الأوحد على العالم سيكون لها تبعات كبرى على الاقتصاد قبل السياسة، وأن العالم شرقه قبل غربه سيشهد سباقاً بين القوى الكبرى للاستقطاب الاقتصادي بإنشاء تكتلات اقتصادية نوعية قبل الأحلاف السياسية والعسكرية، ما يحتم على دول المنطقة عامة والدول العربية خاصة، سرعة دعم النظام الجديد متعدد الأقطاب، أو إحياء جامعة الدول العربية ككتلة سياسة واقتصادية خالصة غير منحازة لأي من القطبين، تنظر إلى مصالحها العليا بعيدا عن الانخراط مجدداً في نفوذ أي من القوى الفاعلة في النظام العالمي الجديد.
وأكد أن الولايات المتحدة تبذل قصارى جهدها لإحباط خطط بلورة قوة منافسة لها وتعتبر أن الصين وروسيا تمثلان خطراً وجودياً على نفوذها، ولذلك تقوم بعمليات الاحتواء الاقتصادي والسياسي والعسكري للصين في العالم، بإحياء تحالفات قديمة وبناء أخرى جديدة، مثل أوكوس.
وأشار السفير عبد الهادي إلى أن على العرب كي يجدوا مكاناً لهم في العالم الجديد فعليهم العمل لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وإنهاء الاحتلال، والتركيز على إقامة تحالف اقتصادي عربي نظراً لما يملكه الوطن العربي من مقومات الدول العظمى، فضلاً عن التعاون مع مجموعة البريكس والتحالفات المناهضة للهيمنة الغربية.
وأشار بأن هدف هذه الدول الأوحد هو استبدال النظام العالمي الراهن بنظام جديد، يكون لهم فيه وزن أكبر بكثير. وتعد بريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون هي هياكل النظام العالمي الجديد، ورابطة الدول الصاعدة، التي تقف مقابل التكتلات التي تغرب شمسها مثل حلف الناتو وأوكوس ومجموعة السبع وغيرها.
وفي هذا السياق أشار السفير عبد الهادي إلى كلمة السيد الرئيس السوري بشار الأسد التي ألقاها خلال القمة العربية في الرياض حيث قال خلالها: بأنه يبدو واضحاً بأن التعددية القطبية التي بدأت ترسم ملامحها على صعيد النظام الدولي تنعكس على “تعددية إقليمية” ونحن اليوم أمام فرصة تاريخية لإعادة ترتيب شؤوننا العربية وماذا سيكون دورنا في النظام الدولي الجديد.
كما أشار خلال المحاضرة إلى كلمة الرئيس محمود عباس رئيس دولة فلسطين في الأمم المتحدة التي أكد خلالها على إننا اليوم بحاجة ماسة إلى القيادة التي تساهم بإعادة الثقة على المستوى العالمي وتكريس الجهود لإعادة الهيبة للنظام الدولي على قاعدة نظام دولي متعدد الأقطاب.
واختتم السفير عبد الهادي المحاضرة بالإشارة إلى أن النظام أحادي القطبية يحتضر، وسوف يصبح من الماضي، وأن التعددية القطبية تولد، فالولايات المتحدة الأمريكية كسائر الإمبراطوريات لها أطوار من الصعود والأفول.
وأضاف: انطلاقًا من كون النظام الدولي يمر بما يمكن تسميته بمرحلة إعادة الهيكلة، تقتضي تلك المتغيرات والمستجدات إعادة إحياء المشروع العربي؛ بحيث لا يتشكل أي نظام جديد دون الأخذ بعين الاعتبار الأهمية والوزن النسبي الذي تمثله المنطقة العربية. لذلك، فإن المشاركة في النظام العالمي الجديد يمثل تحدياً حقيقياً للنظام الإقليمي العربي. فإما أن تطرح الدول العربية مشروعها وتشارك في تشكيل النظام الجديد، أو أن يتم فرض النظام الجديد عليها دون مراعاة مصالحها. وعليه، تقتضي الضرورة إحياء المشروع العربي في مواجهة المشاريع الإقليمية؛ بغية تحقيق حالة من التوازن تحفظ أمن واستقرار المنطقة من مخاطر المشاريع الإقليمية، وتحقق للدول العربية مصالحها.
وفي تصريح للصحفيين، أكد مدير عام دائرة العلاقات العربية لمنظمة التحرير الفلسطينية السفير أنور عبد الهادي أن التطورات الأخيرة في غزة وانتصار المقاومة وصمودها لثمانية أشهر أسقط “ورقة التوت” عن النظام الأميركي القاتل والكيان الصهيوني المجرم، واللذين فشلا في تنفيذ مخططاتهما في فلسطين المحتلة والمنطقة.
وأشاد السفير عبد الهادي بمواقف السيد الرئيس بشار الأسد ورؤيته الحكيمة في تعزيز الموقف العربي الموحد والمدافع عن الحقوق والحفاظ على سيادة وكرامة الأمة العربية.
أكد عبد الهادي أن النظام أحادي القطبية يحتضر، وسوف يصبح من الماضي، وأن نظام تعددية القطبية يولد من جديد، مؤكدا أن هيمنة الولايات المتحدة تواجه الأفول مثلها مثل سائر الامبراطوريات.
ونوه بأن المشاركة في النظام العالمي الجديد يمثل تحدياً حقيقياً للنظام الإقليمي الجديد تتطلب إحياء المشروع العربي في مواجهة التحديات العالمية.
وجرى في نهاية المحاضرة حوار سياسي شارك فيه ممثلو الفصائل وعدد من النخب السياسية والفكرية والحزبية من سورية وفلسطين.
حضر المحاضرة سفير الجمهورية التونسية لدى سورية محمد المهذبي وعدد من ممثلي السلك الدبلوماسي في سورية، ود. صابر فلحوط رئيس اللجنة الشعبية العربية السورية، وأيضاً عضو المكتب السياسي لحزب الشعب مصطفى الهرش وممثلون عن الفصائل الفلسطينية والأحزاب السورية، إضافة إلى السفير المناوب السابق لسفارة دولة فلسطين بدمشق عماد الكردي، والدكتور محمد البحيصي، وعدد من مجلس أمناء مؤسسة القدس الدولية، وعدد من النخب الفكرية والسياسية السورية والفلسطينية.