الثورة – يمن سليمان عباس:
لا ينكر أهمية الكتاب إلا جاهل، أو من يظن أن العلم والمعرفة والثقافة ليست من الكتب بل من أمور أخرى.
الكتاب الثروة التي لاتموت مهما أهملناها وتركناها، فلابد من العودة إليها.. أقول هذا حتى لا يذهب الظن بأحد أنني أكره الكتاب.. لا لقد نشأت على حب القراءة والمطالعة، وكانت مكتبة عمي الصحفي (محمد رجب عباس) ملاذاً لنا.
وكان ارتباطي بمن يشغله الكتاب عن كل شيء، ويعده ثروة ما بعدها ثروة، بل يقول: حين أقدم الكتاب هدية لأحد ما يعني ذلك أنني قدمت أغلى ما لدي.
أمس عاد النقاش من جديد حول أكداس الكتب التي تملأ الطاولات والغرفة التي يجب أن تكون لنا والسقائف (طبعاً والوقت حالياً مخصص للتعزيل) تعثرت بأرتال من الكتب سدت الطريق علي حين أردت الوصول إلى خزانة المؤونة.
أكداس غير مرتبة.. ولاادري كيف يعرف مكان كل كتاب فيها، شعرت بالضيق والفوضى، فقام وبكل هدوء غير معتاد وناولني عدداً من مجلة الدوحة لأقرأ ما كتبه عبد القادر المازني تحت عنوان: أنا وزوجتي والكتب، شجعني الأمر أن أعيد قراءة المقال يقول المازني:
في صباح ليلة (الجلوة) أي زواجي دخلت مكتبتي ورددت الباب وأدرت عيني في رفوف المكتب، فراقني منها ديوان (شيللي) فتناولته وانحططت على كرسي، وشرعت أقرأ، ونسيت الزوجة التي ما مضى عليها في بيتي إلا سواد ليلة واحدة، وكانوا يبحثون عني في حيث يظنون أن يجدوني- في الحمام وفي غرفة الاستقبال وفي المنظرة- حتى تحت السرير بحثوا ولم يخطر لهم قط أنني في المكتبة لأنني (عريس) جديد لا يعقل في رأيهم أن يهجر عروسه هذا الهجر القبيح الفاضح، وكانت أمي في الكرار أو المخزن تعد ما لا أدري لهذا الصباح السعيد، فأنبؤها أنني اختفيت كأنما انشقت الأرض فابتلعتني وأنهم بحثوا ونقبوا في كل مكان فلم يعثروا لي على أثر فما العمل؟؟
فضحكت أمي وقالت: ليس في كل مكان.. اذهبوا إلى المكتبة فإنه لاشك فيها.
فقالت حماتي- وضربت صدرها بكفها: في المكتبة يا نهار أسود وهل هذا وقت كتب وكلام فارغ؟؟
فقالت أمي بجزع: اسمعي.. كل ساعة من ساعات الليل والنهار وقت كتب… افهمي هذا وأريحي نفسك: فإن كل محاولة لصرفه عن الكتب عبث.
فقالت حماتي: لو كنت اعرف هذا.. مسكينة يا بنتي.. وقعتي وكان ما كان.
فقالت أمي: هل تكون مسكينة إذا وطدت نفسها على هذه المعرفة؟؟ ويحسن أن تكبحي لسانك وأن تدعي الأمر لبنتك فإنه من شأنها.
فلم تكبح لسانها بل قالت: لو كانت ضرة لكان أهون.
فقالت أمي إنك حمقاء.. وليس في الأمر ما يحوج إلى هذا الهراء.. اذهبي إليه وناديه..
فارتدت إلي وفتحت الباب علي وكنت ذاهلاً فلما شعرت بالباب يفتح أزعجني ذلك فأشرت إلى الداخل أن يرجع من غير أن أنظر إليه وكنت مقطباً، وكان لساني يخرج أصواتاً كهذه: شش شش.
فخرجت المسكينة وأغلقت الباب وذهبت تقول لأمي والدموع تنحدر من عينيها أنني طردتها وصحت بها: هشش. كما يصاح بالدجاج).
لن أقول له: هذه الكتب ضرتي أبداً.. بل أعتز بها ونقلنا شغف الكتاب إلى الأحفاد الذين يطالبون كل يوم بمجلات وقصص.
ونسيت أن أخبركم أنه كان كل ما حاور مبدعاً ما يسأله عن مصير مكتبته ما جعلني أتوجه بالسؤال نفسه إليه: ما مصير مكتبتك لمن توصي بها؟
فيرد: لك وللأحفاد أنتم أحرار بما تفعلون بها..