يستيقظ الطفل داخلنا في الصباح الباكر حاملاً هموماً متراكمة، يراكم فوقها هموم يومه القادم ، ويكبرالطفل ذاته في طريق السعي اليومي قابضاً على عصف الريح داخل جنبات النفس المحزونة!
يتكررالصباح ، صباحات عديدة فيستعيد ذلك الطفل تاريخه الطويل في تحدي حياة لا يستطيع الإمساك بأحد أطرافها الحادة ، لكنّه يستيقظ على نهايات لا حدود لها ، فلا هو يفلت منها ، ولا هو قادرعلى كسرها كما يتوقع.
وينمو غصن العمر داخل متاهات تكبريوماً بعد يوم ، ويمتد مسافات طويلة يسيطر فيها على السلوك الاجتماعي ويضبط خطواتنا الهائمة فوق أمواج الحياة ليقطف بعضاً من حصيلة تنازع عليها جبابرة البشر وكسبها صغارهم وجباناؤهم ممن يحسنون صنع الأكاذيب ويتفننون في روايتها وصياغة تفاصيل لم يمرعليها الزمن.
وما الصراع والحرب والتآمر والنصر والهزائم والهجرة والنزوح والاغتناء والفقر وتغيير نماذج وأساليب العيش إلا مخارج صراعات خضعت لعوامل عدة، ما بين مقدرات ذاتية خاضت تجارب صعبة وخبرت ظروفاً موضوعية وظّفتها في خلق خياراتها المعاشية ، فإن حققتها وارتقت بها، تهافت المحيطون من الضعفاء والفاشلين إلى اللحاق بركب السائرين في بناء صروح أمجادهم ، فتضيع حدود الفصل بين التابع والمتبوع ، وبين الفائز والمهزوم حيناً من الزمن يكون وحده كفيلاً بإعادة التمايز ما بين المتخاصمين، ليعلو صاحب الحجة القوية ، فيما يهوي إلى الحضيض الضائعون في سراب الضياع.
ينطق لسان الطفل بلغات ولهجات مختلفة ومتباينة ويجمع بينها برباط يطول أو يقصرارتباطاً بما يتوصل إليه من معان ومعارف وعلوم ، كلما ازدادت وكثرت تعاظم فعلها وقوتها وفعلها لتزدهر بعدها نتائج الحصاد والغلال الكثير، ويكون جني محاصيلها عرضة لتزاحم الأضداد وصراع الطامعين الطامحين في الاستئثار بمقدرات وممتلكات غيرهم والمستعدين للدخول في صراعات وتناحرات لا يوقفها إلا الخسارات الفادحة التي يسقط معها الداخلون فيها دون امتلاك رؤى وحكمة وقوى لا يستطيعون فهم معانيها ولا تمثل أبعادها ولا الوقوف على مكامنها ، فتمضي الأجيال في متاهات الصراع ، وتستمر قوى الشر في قضم براعم النماء وتتخرب أقنية العطاء في صحارى الجهل والتشدد والحقد والفساد.