الثورة – علا محمد:
بعد أن أسدلت أيام العيد ستائرها ولمت شمل الأحبة في أحضان القرى الذي يعتبر نمطاً مألوفاً في كثير من المناطق، عاد المسافرون إلى أعمالهم في المدينة والغالبية منهم خارج المحافظة، حاملين معهم حكايا تشترك في طياتها الصعوبات والتحديات وخاصة تلك المتعلقة بالمواصلات، وهو الحديث الأكثر طرحاً يدور حول معضلة واحدة تتجسد في صعوبة التنقل بين القرى والمدينة.
ففي ظل الارتفاع الجنوني لأسعار المحروقات أصبحت الرحلة المعتادة في العيد أو إجازة الصيف بمثابة عبء مادي ثقيل يُلقي بظلاله على ميزانيات العائلات، فتلك الوسائط الخاصة التي كانت في يومٍ من الأيام خياراً وليس ضرورة، أصبحت اليوم السبيل الوحيد للوصول إلى الجهات المنشودة، إذ تخلو القرى من وسائل النقل العام أو تُعاني من ندرتها، وبالتالي هؤلاء المواطنون محرومون من خيارات التحرك الميسورة.
وتتجلى الصورة بتعقيدٍ أكبر في إحدى تلك القرى البعيدة في جبلة، حيث يتيمم السكان شطر السرفيس الوحيد الذي يمثل شريان الحياة الرابط بينهم وبين المرافق الحيوية، ولسوء الحظ الذي لازمهم تعطل هذا السرفيس، هذه الحادثة لم تدفع المتواجدين في القرية خلال فترة العيد إلى البحث عن خيارات أخرى فحسب بل دفعتهم إلى دفع مبالغ كبيرة مقابل خدمات النقل الخاصة، فكل من أراد أن يتحرك خارج حدود القرية وجد نفسه مضطراً لاستئجار سيارةٍ خاصة بتكلفة تفوق التصور وتثقل كاهله المالي.
إحدى العائلات التي تواجدت في القرية خلال فترة العيد ومثيلاتها كُثر بينوا لـ “الثورة” أنه منذ اللحظة الأولى لوصولنا إلى القرية بعد دفع مبلغ كبير يُعادل كل ما سندفعه خلال إجازتنا نصبح أمام خيارين، إما عدم التحرك خارج القرية أو الاستعداد لدفع مبلغ آخر كبير لمجرد التفكير بالتنزه خارج القرية، الأمر الذي لا قدرة لنا عليه إذ يترتب علينا الأخذ بالحسبان انتهاء الإجازة وعودتنا إلى محافظاتنا للعمل وبذات المبلغ الذي تعدى حدود العقل، وهكذا وبكل بساطة يكون كل ما ادخرناه خلال السنة لقضاء أسبوع العيد “الإجازة الوحيدة” لنا في الصيف سينفق على المواصلات من وإلى فقط.
السيدة مريم روت أنها اضطرت أن تستأجر سيارة خاصة لتصل إلى القرية المجاورة ودفع راتبها أجرة للذهاب والإياب بهدف الحصول على الدواء لولدها.
كل هذه المعاناة تستوجب تسليط الضوء على مشكلة عميقة تتعلق بنقص البنية التحتية للمواصلات في القرى والحاجة إلى استثمارات في النقل العام وتحسينه، ليس فقط من أجل تسهيل التنقل، ولكنها أيضاً ضرورية لضمان الوصول إلى الخدمات الأساسية للسكان في هذه المناطق، الأمر الذي يتطلب تعاوناً بين الجهات الحكومية والمحلية، وكذلك القطاع الخاص والتدخل العاجل لحل هذه المعضلة لتطوير وتحسين شبكة المواصلات العامة في المناطق الريفية، وتوفير حلول بديلة تضمن الحرية اليومية للسكان بكلفة معقولة، مما يسهم في تحسين مستوى الحياة ويمكّن السكان من تلبية احتياجاتهم الأساسية من دون أن يتكبدوا أعباء مالية إضافية.
من جهةٍ أخرى وبعيداً عن حال القرى هناك عائلات كثيرة لم تستطع السفر ولا التحرك خلال عطلة العيد، حتى الذين يملكون سياراتهم الخاصة، وذلك بسبب ارتفاع أسعار المحروقات، الأمر الذي يجعل تكلفة أي تنقل سبباً في إلغاء أي فكرة للتنزه، وهذا ما يعود بالتأثير السلبي على حياة الناس يومياً وجعلهم في حالة عزلة والاستمتاع بالعطلة، وترفيه النفس وزيارة الأقارب والأصدقاء والأماكن الطبيعية، فكل ذلك قد يشكل فارقاً سعيداً وإن كان مؤقتاً في ظل صعوبات ومشكلات الحياة.