الملحق الثقافي- ديما يوسف سلمان:
كان للمرأةِ العربيّةِ وعبر العصورِ المختلفةِ دورُها في الحياةِ الفكريّةِ والأدبيّةِ، ومثمّة أسماءٌ خالدةٌ عبر التّاريخ لشاعراتٍ عربيّاتٍ مميّزات فكانت الخنساء التي كتبت قصائد رثاء بأخيها صخر ، واشتهرت بفصاحة اللّسان والبيان مما جعلها تأخذ دور الحكم في المنافسات الشعرية آنذاك، وأيضاً ليلى العامريه ورابعة العدوية وغيرهنّ.. ومنهنّ تميّزن بجرأتهنّ كولّادة بنت المستكفي وهي أميرةٌ وشاعرةٌ ظهرَتْ في العصر الأندلسيّ واشتهرت ببيتن من الشّعر في زمانها الذي يعود لأكثرَ من ألفِ عام من الآن حيث تقول فيهما: أنا واللّه أصلحُ للمعالي أمشي مشيتي وأتيهُ تيها أمكّنُ عاشقي من صحن خدّي وأمنحُ قبلتي من يشتهيها كان ذلك في العهد الأندلسيّ الذي شهدت فيه الحضارة العربيّة أوج قوّتها وانتشارها، ولكن بالمقابل كثيراتٌ لم يملكن الجرأة و عانين من القيود والنّظرة الذكوريّة عبر العصور العربيّة المختلفة، ربّما كان لديهنّ الكثير من الأدب والإبداع الذي وئد بسبب الثقافة الذكورية والنّظرة الدونيّة للمرأة، ولاسيّما بعدما غرقت مجتمعاتنا العربيّة في عصور الظّلام وخصوصاً في ظلّ الاحتلال العثمانيّ فكانت بحقّ عصوراً من الظّلام و الجهل والتّخلف الأمر الذي انعكس سلباً على الحياة بأكملها، وتراجعت العلوم والآداب وازدادت القيود على الرجل و المرأة وعلى كلّ فكرٍ حرٍّ ، فازداد انغلاق المرأة ودفعت ثمن كلّ هذا الجهل والتّخلف، فقبل أكثر من قرنٍ من الزّمن كان مجرّد تعليم المرأة أمراً في غاية الصّعوبة ، ونذكر كمثال الشّاعرة الفلسطينيّة الكبيرة فدوى طوقان التي تحدّت التّقاليد والجهل وتمردت عليها وذكرت في مذكراتها معاناتها من النظرة الدونيّة للمرأة وحرمانها حقوقها وهي التي حرمت من إتمام تعليمها بسبب زهرة تلقّتها من أحدهم..فكافحت فدوى وشقت طريقها الصّعب في مجتمعٍ يحارب المرأة وصوتها وكلماتها ويفرض على فكرها كلّ القيود، فكانت صوتاً غاضباً على الأفكار البالية والمتخلّفة تجاه المرأة ودورها .. وكثيراتٌ أيضاً كتبن في الخمسينيّات من القرن الماضي وطالبن بتحرّر المرأة العربيّة من العادات البالية والقيود التي تعيق دورها الفكري مثل كوليت خوري وليلى بعلبكي وغيرهنّ ممّن رفضن الثقافة الذّكوريّة.. وطبعاً لم يكن حال المرأة العربية إلا كحال المرأة بشكل عام في العالم، وشهدت الكثيرُ من الأوساط الأدبيّة العالميّة حركات تحرّر تنادي بحريّة المرأة وتطالب بمساواتها بالرجل كمثال الكاتبة الفرنسيّة سيمون دي بوفوار وحركتها النّسوية لتحرّر المرأة وإعطائها كامل حقوقها .. واليوم ونحن في العقدِ الثّالث من القرن الواحد والعشرين؛ ثمّة نقلة نوعية لدور المرأة في كل المجالات المعرفيّة والأدبيّة وأثبتت المرأةُ العربيّةُ جدارةً وتفوّقاً كبيراً، من جانب آخر وبالفعل تلمعُ تاء التّأنيث بقوّة في الحالة الثقافيّة هل يعني هذا أنّ المشهد الثقافيّ معافى وفي أحسن أحواله، أم هل أنّ للقضيّة جوانب أخرى؟! لا شكّ أنّ ثقافة الصّورة والتّقدم التكنولوجي المذهل، والانفتاح الكبير وطبول وسائل التّواصل الاجتماعي .. جعل المشهد الثقافيّ بأكمله يكاد يكون في بعض الأحيان في حالة غير صحيحة. بكلّ الأحوال كلُّ جيّد من الأدب سيعبّر عن نفسه، ولكلِّ إبداعٍ حقيقيٍّ بريقٌ لا يخبو سواءً بقلمه أم بقلمها ، وتبقى همومُ وشجونُ الإنسان وقضاياه هي الملهم والباعث الأوّل لإبداعها كما لكلّ إبداع.
العدد 1195 –2 -7-2024