هفاف ميهوب
من المعروف، وفي كلّ المجتمعات، بأن وظيفة الشّعر الأساسية، هي مقاومة الظلم والطغيان والاعتداءات.. أي أن على الشّعر أن يكون، ضمير الوطن وصوته، والكلمة التي تدافع عن قضاياه، وتواجه عدوّه ومحتل أرضه..
إذا، الشعر ابن وطن وقضية، والقضيّة التي شغلت غالبية شعراء اليوم، مثلما غالبية شعراء الأمس، هي القضيّة الفلسطينية.
أما أكثر الشعراء انشغالاً بهذه القضيّة، فشعراء فلسطين، ومنذ النكبة وما بعدها، وصولاً إلى الحاضرِ الذي يعلو فيه زئير قصائدهم، مدوّياً في تحدّيه ومواجهتهِ لعدوّها ومغتصب أرضها..
إنه زئيرُ القصائد لدى الشعراء المقاومين.. لدى «موسى حوامدة» مثلاً، فها هو يطلق صرخته باسمِ كلّ فلسطيني، ليرتدّ في المدى صدى: «غزّة الآن الدليل»:
يا قابضاً عنقَ الدقائقِ والمحارْ/ للماءِ مرجانٌ ولي الأمواجُ/ لي الهَيَّاجُ/ لي عمرٌ تناثَرَ والبحار/ سُرقتْ مدينتنا/ و لاحقنا الدوارْ …
شهبٌ نيازكُ تستدلُّ على القبورْ/ لا مهرةٌ صَهَلت و لا زغرودةٌ رقصتْ/ و لا بيّارة سألتْ/ وكلُّ الواقفينَ بلا ظهورْ!!
إنه زئيره القديم ـ الجديد.. كيف لا، وهو يرى تفاقم إجرام المحتل وأحقاده، وعرس الدمِ يمتدّ على جسدِ الوطن، فينثرُ أحلامه جمراً، ويضيء نجماً، هو الشّاهد والشهيد:
يا ناثراً دمَه/ ستجمعُكَ الصبايا/ تحتمي فيك الخيامْ/ يا ساكباً جمر الكلامْ/ ستسكن الأحلامُ فيكَ/ وترتمي فيك النجومُ/ وتشتهي منكَ التفتّح والغرام ..
يتجدّد زئير القصيدة المقاومة، بغضبٍ نراه يتصاعد لدى الشاعر «رضوان قاسم».. ذلك أنه مسكون بوطنه، وينزف التوق إليه وغربته، تنشدُ من عمقهِ المتألّم:
حيفا تغازلُ غزّة/ واللدّ تبكي في صفد/ والقدسُ جرحٌ نازفٌ/ من أينَ يأتينا الجَلد/؟. سبعونَ عاماً لم ينمْ/ فينا الحنينُ ولا رقد/ شهدتْ جراحي لم ينمْ/ ودمُ الشهيدِ لقد شهد..
إن تغصبوهُ ترابنا/ صوتُ التُّرابِ كما الرعد/ أو تقتلونَ رجالنا/ لم تُنقصوا منّا العدد/ إن النساء بأرضنا/ غضباً ستنجبُ لا ولد..
هو هكذا دوماً، غاضبٌ لا يبالي إن تمزّقت حنجرة القصيدة، ذلك أنها التي أنجبته، ومن برتقال فلسطين أرضعته.. صار شاعرها، يراقص الموت المقيم فيها، فتحيا ويبقى صوتها:
نحنُ الذينَ جعلنا الموتَ رقصتَنا/ هلْ أمةٌ غيرنا بالموتِ تحتفلُ/ لا لمْ نجئْهُ فرادى حينَ يطلبنا/ تمضي الطيورُ بسربٍ حينَ ترتحلُ/ فينا نفوسٌ ترى للروحِ أجنحةً/ وأنَّ في الجسمِ للأرواحِ معتقلُ/ حبلُ الحياةِ بحبلِ الموتِ متَّصلُ/ إنَّا نموتُ لكي يحيا بنا الأملُ..
نختم بالقصيدة التي لايتوقف الشاعر «صلاح أبو لاوي» عن إطلاق رصاصها، مثلما عن تأجيج ما فيها من مفرداتٍ، تبارك «المقاوم» ورسالته العظيمة التي قال عن قدسيّتها ونبلها:
هو يأكلُ مثلي/ ويشربُ مثلي/ ويتعبُ مثلي/ ويرتاحُ مثلي/ وينهضُ مثلي/ ومثلي ينامْ..
فلماذا/ أنا خانعٌ/ خاضعٌ/ مائعٌ/ ظامئٌ/.. وهو أعلى من النجمِ/ من قطرةٍ يرتوي لو سقاهُ الغمامْ؟!..
ولماذا خطايَ وراءٌ ثقيلُ المقامْ/ وهو يحملُ هذا الفضاء وحيداً/ ويمضي به مسرعاً للأمامْ؟/ ولماذا أنا مظلمٌ/ لا بداية لي أو ختامْ/ وهو بدرٌ تمامْ؟!..
عليه السلام/ عليه السلام/ عليه السلام..