الباحث بكور عاروب:
مجموعة قصصية بعنوان شجرة العائلة ومن إصدارات دار توتول في دمشق للأديب يوسف حطيني يقدم من خلالها مجموعة من القصص التي يمكن أن نقدم رؤية نقدية انطباعية عنها وفق المعطيات التالية:
في اللغة تأتي لغة المجموعة سلسة بسيطة غير معقدة ولا يسعى الكاتب وراء اللغة القاموسية مما يجعل قراءة المجموعة اكثر متعة وسلاسة دون أشغال الفكر باللغة عن السردية الحكائية للقصة وصورها وهذا يحسب للكاتب خصوصا بتوفر حوض لغوي واسع وممتع في متن المجموعة.
من شجرة العائلة الى القميص الوردي في اثنتي عشرة قصة يقدم يوسف حطيني توثيقا فنيا لأحداث جرت ومشاهد نعرفها فيما تتفرد شجرة العائلة التي منحت اسمها للمجموعة بإسقاطات رائعة لم تخل منها القصص الأخرى ولكنها بقيت متميزة فالكاتب ربط ببراعة بين الحمار ومشتريه المدعو صابر وهذا ربط خفي بارع وتوظيف فني ساخر للاسم التعبيري عن الحمار وهو أيضا صابر وربط منظومة بين جميع المخلوقات القهر واشتراك الصفات الحميرية عندما يقوم الشاري صابر بشراء سوط للحمار قبل شراء الحمار نفسه وكذلك هو ينال من سوط التسلط عندما يوقفه احدهم ثم يأمره بالتحرك ويناديه تحرك يا حمار.
سخرية جعلت العلاقة الحيوانية البشرية واحدة في منظومة القهر وتلميح ذكي يرفع الخطاب الإنساني إلى درجة عالية مميزة في مستهل مجموعة قصصية حملت نفس الاسم كما أشرنا.
في قصة أبو الشوارب نرى يوسف حطيني يقدم صورة دقيقة عن تسلسل المظلومية والظلم يطرح سؤالا خطيرا عن معالجة منظومة القهر وهل هي عصية على الحل دون تدخل خارجي من خلال هزيمة أبو كسار أمام الشاب الأجنبي الرقيق بشعره الطويل.
بالعودة إلى قصة شجرة العائلة لا يمكن أن نوافق على بعض من جعل القصة تتماهى مع قصص عالمية وعلى رأسها قصص الكاتب التركي عزيز نيسين فافكار المجموعة وقصصها جميعا جاءت بفكر الكاتب الذي يمتلك ادوات لغوية وتراكما فكريا لا يضعه في حاجة لأي تماه أو استعارة إبداعية.
وفي قصة الطابق السادس قمة فكرية في استحضار عصر التفاهة والاحتجاح عليه وإن كان هناك توثيق لهزيمة النبل امام التفاهة وهو ما نرغب به و إن نحت الأمل ولو نحتا ما يجب أن يميز مبدعينا بكل عزيمة.
وهناك إشارة مهمة للكاتب وقد يحتج فقد عمد إلى شرح بعض الدلالات وهذا ينتقص من قدرة القارئ على الاستنتاج وتلمس الدلالات ولا حاجة لأي هامش بل على العكس على الكاتب أن يترك للقارئ فرصة المتعة الكاملة في القراءة والإسقاط والتحليل وفقا لمنهجه وتراكمه المعرفي وقدراته التخيلية بعيدا عن ارغامه على فهم محدد يريده الكاتب والكاتب المبدع يصل إلى هذا الارغام بشكل غير مباشر من خلال فتح مجاهر القارئ بتفصيل إبداعي لا يؤثر على القيمة الفنية ولا يكون فيه نفخ للنص بقصد التفصيل الدقيق وهذا النفخ حقيقة لا نجده في مختلف قصص المجموعة بل على العكس جاءت اللغة والصور وان غلب عليها التصوير السردي الواقعي بعيدا عن التصوير الإنشائي الإبداعي جاءت تلك اللغة بوظيفة واضحة وجلية وفي خدمة المقصد الفني والفكري دون زيادات أو نفخ للنص.
في العناوين والعتبات النصية نرى أن المفكر الباحث غلب على القاص فيها حيث جاءت بمثابة الإعلان الفكري أو السياسي.
بلا شك أن النص التثقيفي مطلوب ولكن القصص ليست درسا بقدر ما هي جرس للذاكرة يحفزها ويصوغ لها عالما وايقونات محفزة ورافعة لمجمل المعطيات الفنية والفكرية واللغوية والاجتماعية وكل المقاصد والحوامل في المنتج الأدبي.
الأسماء والشخصيات في القصص ( من صابر إلى ابي الشوارب إلى أبي كسار وعبد القاهر وعبد المقهور وعبد القهار إلى مختلف أسماء الشخصيات) جاءت موظفة توظيفا رائعا وجميلا جدا وفي مسار يخدم براعة القصة ومقاصدها و والاسقاطات الفكرية جاءت مميزة جدا وتخدم بوضوح قضية حساسة وهامة تناقش في عموم القصص رغم تنوع حكاياتها القهر في مختلف مستويات إنتاجه والتماهي معه والتمرد عليه ومقاومته ويناقش في مستوى اعلى قضية وعي المظلومية والتمرد على الظلم بحيث لا يتحول هذا التمرد على الظلم فيحول المظلومية الى جريمة في فكرة سبق اليها العلامة الكبير عبد الرحمن الكواكبي ولكن يوسف حطيني يقدمها في إطار جمالي فني بعيدا عن جفاف الفقه الفكري وثقله وصعوبته وبشكل يجعل المجموعة القصصية شجرة العائلة منتج قصصي يتجاوز التصنيف العمري فهو يصلح للناشئة وللكبار في وقت واحد بقيمة فكرية عالية و لغة بسيطة سلسة.
في النهاية لا بد أن نشير في لي حفل لتوقيع منتج أدبي أنه عرس للروح والعقل وكل حرف يُكتب في ثقافتنا هو رصاصة في جسد الجهل والعدو المحتل للأرض ناهبا للثروات والتاريخ والتراث ومعطلا للحياة وإشراقة الغد فشكرا لكل كاتب و الشكر موصول للأديب يوسف حطيني على منتجه وجهوده الفكرية والأدبية.
ومن باب المداعبة الفكرية نخاطب الكاتب صحيح أن يوسف مازال في جب العروبة و حطين تكاد تُنسى لكن أي حرف إبداعي يبقى رصاصة في مسار استعادة الجمال و إعادة الحق و إقامة ديوان مستقبل بهي.