الثورة – لقاء- ثناء أبو دقن:
المرحلة الدراسية من أمتع لحظات الحياة ولايعرف متعتها إلا من مرّ بها وجربها بحلوها ومرها، حيث متعة التعلم لا تضاهيها متعة، وخصوصاً لو ارتبطت عند صاحبها بالإرادة والتصميم،
فالإصرار على الدراسة وطلب العلم حالة إيجابية وصحية حتى لو لم تنته بالنجاح المباشر، ولكنها حتما ستتحول إلى رغبة دائمة حين تكلل بالنجاح.
ومن أجل تحقيق النجاح، لابد من زيادة الجهد وتحمل جميع الصعاب في رحلة طويلة، يتوجب فيها الصبر للوصول إلى الغاية المنشودة، فكل الطرق تبدأ بخطوة، وكل الصعاب تزول أمام الإرادة والمثابرة.
والإنسان يملك طاقات كبيرة وقوى خفية يحتاج أن يزيل عنها غبار التقصير والكسل، فهو قادر أكثر مما يتصور وأقوى مما يتخيل وأذكى بكثير مما يعتقد، فقط عليه أن يشطب كل الكلمات والأفكار السلبية عن نفسه.
وقصتنا اليوم تحكيها السيدة مروة قواص (أم غسان – 35 سنة ) وأم لثلاث أولاد حصلت على الشهادة الإعدادية لهذا العام رغم معارضة حماتها الشديد للفكرة وعدم جدوى دراستها في هذا العمر ( بعد ما شاب ودّوه على الكتّاب) على رأي المثل.
تقول أم غسان: تركت الدراسة ولم أكمل تعليمي لزواجي في عمر صغير، وابني الٱن سنة أولى جامعة وابنتي “بكالوريا” السنة القادمة ومن خلال متابعتي لدراستهم وواجباتهم التي كنت لا افقه فيها شيئاً حيث كنت أجد صعوبة كبيرة في البداية في فهم أبحاث وموضوعات العلوم والرياضيات والفيزياء والكيمياء إلا أنني ومع الوقت استطعت نوعاً ما تجاوز هذه الصعوبة، وهذا العام قررت أن اتقدم لامتحان الشهادة الإعدادية وسررت كثيراً للفكرة، وعندما أخبرت زوجي بقي صامتاً ومع الوقت وعندما وجد أنني متحمسة وافق ودعمني بكل الطرق المادية والمعنوية وبدأت اشتري الكتب والدفاتر وسجلت على المنصة ووفرت كل مستلزمات الدراسة.. وعندما علمت حماتي بذلك لم تمانع لكنها كانت تحبطني دوماً ولم توفر أي عزومة أو مونة أو تعزيل لمنزلها إلا وطلبته أيام الامتحان حتى لم توفر الطبخات التي تحتاج إلى جهد ووقت طويل لتحضيرها، وكانت إذا ذكرتها بدراستي تتأفف وتنهرني لأعتني ببيتي وزوجي وبدراسة أولادي وعلى حد قولها أنه أحسن لي ولهم، ومع أني لم أقصر أبداً بواجباتي تجاه أولادي وبيتي غير أنني تعرضت كثيراً لحالات اليأس والإحباط بسبب ضغوط الواجبات المنزلية وصعوبة المنهاج بالنسبة لي وخصوصاً اللغتين الفرنسية والانكليزية، صدقاُ كنت أحياناً أبكي لعجزي عن فهم كثير من الدروس والقواعد وبطئي الشديد بالحفظ، ولكن إصراري ورغبتي الشديدة في الحصول على شهادة التاسع تحت أي ظرف دفعني أن استمر واواصل الدراسة، ومع كل المعاناة والحزن الذي رافقني طول فترة الدراسة، إلا أنه كانت هناك مواقف كثيرة مضحكة من الأولاد حين كنت أشكو لهم صعوبة الحفظ فكانوا يتغامزون علي ويطلقون عبارات مثل ( الله كبير.. حسّي فينا يا ماما لما كنت تصرخي علينا وتجبريننا على الدراسة جبر).
وحين أعلنت النتائج وكنت من الناجحين أحسست أنني طفلة صغيرة وأكاد أطير من الفرح.
أقسمت السيدة مروة (أم غسان) أن لاشيء يوازي طعم النجاح، إنه شعور جميل ورائع لترميم الثقة بالنفس عن شيء أفعله لنفسي فقط، شيء يخصني لي وحدي، بعد سنين في التفاني في خدمة أسرتي ورعايتها.
إنها فرحة من خسر مرحلة غالية من عمره واستعاضها ولو بعد حين.
السابق